وكان قد أُعلن عن تشكيل “جيش سورية الجديد” مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من قبل “جبهة الأصالة والتنمية” المعارضة، المقرّبة وفقاً لمصادر، من جماعة “الإخوان المسلمين” السورية، لينضم إلى عدد من “الجيوش” المتصارعة على الجغرافيا السورية بأهداف متناقضة، وجهات ممولة متعددة، وخلفيات عقائدية مختلفة.
وقد شرع الجيش الجديد في عملياته العسكرية مطلع شهر آذار/مارس الماضي حين سيطر بالتعاون مع فصائل أخرى من الجيش السوري الحر، وتحت غطاء ناري من طيران التحالف على معبر التنف الحدودي مع العراق، حيث تمركز كي يبدأ عمليات أخرى ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ولكنه مذ ذاك الحين لم يقم بعمليات “نوعية” أخرى.
وكان المكتب الإعلامي لـ”جبهة الأصالة والتنمية”، قد أكد أن “الجيش الجديد تلقّى تدريبات نوعية على مختلف أنواع الأسلحة، وسيواجه داعش، والفصائل الموالية له في سورية”. وأوضح المكتب أن “الجبهة بدأت بإنشاء معسكرات التدريب لجيش سورية الجديد ليكون نواة ولبنة للاجتماع حول مشروع سوري واحد، ينكر الذات، ويرفع العلم السوري”.
وأضاف “نسعى لتحرير أكبر المناطق السورية المحتلة، وهي المنطقة الشرقية، مع وجود فصائلنا في جميع المناطق الساخنة كالغوطة وحلب وإدلب وحماة والساحل. لكن هذا لا يجعلنا نترك خنجر الغدر الذي صنعه النظام وجعله شماعة يشوه من خلالها الإسلام، ويصبغ الثورة بثوب التطرف والإرهاب. بينما هو عون للأسد وحلفائه وينسّق معهم”.
من جهته، يقول قائد “جيش سورية الجديد” العقيد خزعل السرحان، في تصريحات صحافية، إن “عديد جيشه يبلغ 400 مقاتل، موجودين في البادية السورية”، مشيراً إلى أن “جيش سورية الجديد يعتبر نظام الأسد العدو الأول، وسيصار إلى محاربته بعد القضاء على داعش”. السرحان كان من قادة الجيش السوري الحر في المنطقة الشرقية، وانسحب منها بعد سيطرة “داعش” على غالبية محافظة دير الزور في منتصف عام 2014. وتفيد مصادر مطلعة أن “جيش سورية الجديد تلقى تدريبات على يد خبراء أميركيين في الأراضي الأردنية، قبل أن يدخل الأراضي السورية، ولديه أسلحة أميركية خفيفة، ومتوسطة، وأغلب مقاتليه هم من أبناء محافظة دير الزور، ومناطق في شرق سورية”.
أما الملازم أول محمود الصالح (ضابط منشق عن جيش النظام)، أحد القادة الميدانيين لـ”الجيش الجديد”، فينفي ما تناقلته وسائل إعلام عن وجود قوات بريطانية داخل “الجيش”، ذاكراً في منشور على صفحته على موقع “فيسبوك” إلى أن “مقاتلي الجيش جميعهم سوريون”. ويشير إلى أن “جيش سورية الجديد يقاتل قوات نظام الاسد، وداعش، وليس الأخير فحسب”.
مع العلم أنه في العام الماضي والعام الحالي وُلد أكثر من “جيش” في المنطقة الشرقية من سورية، التي تضم ثلاث محافظات كبرى، هي: الرقة ودير الزور والحسكة. ويفرض “داعش” سيطرة كاملة على الأولى، وعلى مجمل الثانية، بينما فقد التنظيم أهم مواقعه في محافظة الحسكة (أقصى شمال شرق سورية) منذ بداية العام الحالي، إثر تراجعه أمام “قوات سورية الديمقراطية” التي تشكّلت هي الأخرى أواخر العام الماضي، لمحاربة “داعش”، وتضم فصائل عدة، ويشكل مقاتلون أكراد ثقلها الأساسي، وتتلقّى دعماً دولياً منقطع النظير، خصوصاً من الروس، والأميركيين. الأمر لم ينسحب على “جيش سورية الجديد” الذي لم يستطع حتى اللحظة تحقيق هدفه الأساس، وهو انتزاع السيطرة على محافظة دير الزور من “داعش”.
كما تشكّل أيضاً “جيش الجبهة الشرقية”، الذي يضمّ مقاتلين عرباً وتركمان، ويرأسه الشيخ القبلي نواف البشير. لكن مصادر داخل هذا الجيش توضح لـ “العربي الجديد”، أنه “لم يُسمح لهذا الجيش بالدخول إلى سورية، رغم وجود قيادة عسكرية منظّمة له مشكّلة من ضباط منشقين عدة، مع وجود مكتب سياسي، وإداري”، وفق المصادر.
كما أعلن شيخ قبلي آخر، وهو أحمد الجربا الذي كان رئيساً للائتلاف الوطني السوري، عن تشكيل فصيل عسكري جديد مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي، تحت اسم “جيش النخبة” لمحاربة “داعش” في محافظة دير الزور، ولكن سرعان ما تلاشى هذا الفصيل، لعدم قدرته على فرض وجوده في المعادلة العسكرية.
ويعتقد محللون عسكريون أن “الفصائل العسكرية، بما فيها جيش سورية الجديد، الموجودة على الأرض السورية والمدعومة من دول غربية أو من روسيا، غير قادرة بوضعها الراهن على مواجهة داعش والقضاء عليه. ولا يعوّل عليها في تحقيق اختراق فارق على جبهات القتال، تحديداً في المنطقة الشرقية من سورية، لأنها لا تملك الإمكانات البشرية والتسليحية التي تستطيع من خلالها تغيير المعادلات العسكرية. كما لا يمكنها التقدم على الأرض والخوض في معارك كبرى، غايتها تحرير مدن وبلدات استراتيجية من دون غطاء ناري جوي كثيف”.
في هذا الصدد، يرى المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “القوى الدولية والإقليمية حيّدت الفصائل الفاعلة على الأرض ذات الانتماء الوطني، التي تعتمد على أهل الخبرة والكفاءة وحاصرتها ودفعتها للالتحاق بالفصائل الإسلامية والجهادية”. ويلفت إلى أن “هذه القوى اعتمدت على مجموعات من المرتزقة، وهؤلاء غير مستعدون للصمود في المعارك مع داعش، لأنهم لا يمتلكون العقيدة القتالية، بل يبحثون عما يسدّ رمقهم”.
ويرى بكور أن “قوات سورية الديمقراطية لم تستطع التقدم إلا تحت الغطاء الجوي الكثيف، سواء من طيران التحالف الدولي أو الطيران الروسي”، مضيفاً أنه “لولاهما ما استطاعت التقدم على حساب داعش في محافظة الحسكة أو في ريف حلب الشرقي، إذ لم تخض هذه القوات مواجهة حقيقية مع التنظيم، وتعتمد على الطيران لطرده من المدن والبلدات، ثم تدخل لتصوير عملية التحرير المفترضة”.
العربي الجديد