لم تعد بعد الحياة في مدينة تدمر التاريخية إلى شكلها الطبيعي، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وما زال أهلها خارج أسوار المدينة، ولم يبقَ فيها الإ الجنود الّذين استطاعوا تحريرها من سيطرة تنظيم «الدّولة»، ومن بعيد، تُسمع أصوات قذائف لجنود الجيش يصوبونها على مقاتلين من التنظيم، ربّما تأخر انسحابهم بعض الشيء.
أحياء تدمر غدت بكاملها تحت سيطرة القوّات الحكومية الّتي باتت الآن أمام تحدٍّ جديد يتمثّل في امكانية إزالة جميع الألغام، الّتي تغطّي أرض المدينة وشوارعها وأحيائها. ألغام تركها مقاتلو التنظيم وراءهم بعد أن نصبوها بعناية وحرفية عالية، ممّا استلزم من دمشق طلب مساعدة الخبراء الروس لإزالتها بالكامل، داخل المدينة الأثرية بدى الجنود منهمكين في إزالة ما يمكنهم من تلك المفخخات. أحد الجنود أشار لي وأنا أنتقل سيرا على الأقدام في شوارع تدمر، الّتي يجري تطهيرها من الألغام، بأنّ عليّ مراقبة خطواتي جيّداً، فلا أحد يضمن خلوّ الشوارع من المفخّخات. الجندي أردف أيضا: «عليك أن تراقب الحفر الصغيرة وتتجنّبها، وأن تلحظ جيداً وجود أسلاك من عدمه على الطريق».
راقبت اثنين من عناصر الهندسة في الجيش السوري من دون الاقتراب منهما بشكل كبير، وهما يحاولان إبطال مفعول مفخّخةٍ قرب متحف تدمر، بدا جليا أنّ العملية معقدة ومحفوفة بالكثير من المخاطر.
يتردَّد في تدمر أيضاً أن بعض من تجرّأ من الأهالي واستطاع التواصل مع السلطات السورية أخبروها بما كان يجري، فدخلت المدينة وهي على دراية بوجود كمية كبيرة من المفخخات في أحيائها.
ووصلت مؤخّراً إلى المدينة مجموعاتٌ من السفارة الروسية ومن الخبراء العسكريين لتقييم الوضع من مختلف جوانبه وتقديم ما يلزم من دعم قوات النظام السوري لإعادة الحياة إلى هذه المدينة المنكوبة.
في المدينة الأثرية، مؤلمٌ مشهد الدمار الّذي طال بعض أجزائها، أعمدة تهدّمت وتماثيل تخرّبت، وتغيّر الكثير من ملامح هذه المدينة الأثرية، مما قد يدفع دمشق لمساعدة خارجية لإعادة ترميم ما تضرّر.
منذ اقتحامه مدينة تدمر قبل عام كامل قام تنظيم «الدولة» بقطع الاتّصالات الخارجية عن المدينة وابقى فقط منظمومة الاتصالات الداخلية، عزلت تدمر بالكامل عن محيطها الخارجي. وحدهم من أجبروا على الحياة مع التنظيم يملكون الكثير من التفاصيل والروايات عن طبيعة حكم هذا التنظيم وتعامله معهم.
كامل صقر ـ القدس العربي