رأي القدس العربي
يأتي علينا شهر رمضان الكريم هذا العام وكلّ شعوب العالم تعاني من تداعيات وباء كورونا المستجد، ويضاف هذا، في أغلب البلدان الإسلامية، على بلاء الأنظمة المستبدة، ولكنّ أكثر من سيعاني بالتأكيد هم الفقراء، الذين قطع انتشار الوباء أرزاقهم، وفرضت عليهم السلطات حجرا إلزاميا يمنعهم من السعي في طلب الرزق، وكثيرون منهم يجمع قوت أطفاله يوما بيوم، وبذلك اجتمعت كارثة الجائحة الكونيّة، مع الظلم الداخليّ، فكيف سيتدبر هؤلاء أحوالهم في شهر رمضان وهم صائمون، وكثيرون منهم لا يملكون مالا يطعم أسرهم، وكيف سيتدبرون أمورهم مع بلاء العسف ورعب الوباء؟
بسبب إجراءات العزل، سيضطر من يملكون سقفا فوق رؤوسهم أن يقبعوا في بيوتهم، ولكنّ كثيرين جدا سيكونون في ظروف أشد بؤسا، كما هو حال الساكنين في مخيم الركبان على الحدود الأردنية السورية، المحاصرين والممنوع عليهم دخول شاحنات الغوث الغذائي والوقاية الصحية، حتى أننا قرأنا عن نساء يلدن من دون معونة طبية، وكذلك حال أبناء المخيمات الأخرى في شمال وشرق سوريا، ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في لبنان، والساعين للهجرة في اليونان وباقي بلدان أوروبا التي أغلقت حدودها، والمغامرين بركوب البحر بحثا عن حياة جديدة وكرامة ورزق.
سيجوع الملايين في رمضان، ولكن ليس بسبب الصيام، على حد قول صحيفة بريطانية، بل لأسباب أخرى، فإذا كان الإغلاق الحالي الذي فرضته الجائحة، بالنسبة للعائلات من الطبقات الميسورة، فرصة لقضاء فترة من الوقت مع العائلة، والتفنن في الطبخ والرقص والظهور على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الحجر المنزلي يعني فقدان مصدر العيش وخطر الجوع، بالنسبة لآخرين.
لكونه شهر العبادات والتقرّب إلى الله والإحساس بالفقراء، فقد طورت الشعوب الإسلامية عبر العصور، أشكالا من الرعاية الاجتماعية، بحيث كان الكثير من الفقراء يستطيعون تلقي وجبتي إفطار وسحور مجانيتين، ولكن رمضان هذا سيكون مختلفا، فبسبب القرارات الحكومية بمنع التجمعات والصلوات في المساجد، ومنع أشكال الإفطار الجماعي بالتالي، فقد منع أولئك الفقراء من الحصول على حصّة غذائية مأمولة كما حرموا من شبكة الأمان الاجتماعي الخيرية ومن التآلف والتضامن الإنساني، ومنعتهم من الترزّق وتركت لهم ولأطفالهم مكابدة الجوع.
وفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فقد خسر 320 مليون طفل في العالم الآن وجباتهم الغذائية المدرسية، وسيعاني الملايين من الناس، في البلدان شديدة الفقر، من الجوع في رمضان، ولكن جوعهم لن ينتهي مع غروب الشمس وإعلان الإفطار.
بالمقابل فقد بالغت بعض السلطات الحكومية والدينية في محاولة فرض حظر التجول والحجر المنزلي وإغلاق الأماكن العامة، وخاصة المعابد، وبعضها طالب الناس بعدم الصوم وليس الصلاة فحسب، وأثار الجدل في هذا السياق، إعلان وزير الأوقاف المصري منع بث قرآن المغرب قبل الأذان، وإذا كان من المفهوم أن يستنكر القادرون على البقاء في بيوتهم ما يفعله غير القادرين على ذلك، فعلينا أن نفهم أيضا أسباب إعلان كثيرين في بلدان مثل مصر وباكستان وبنغلادش (وحتى أمريكا) رفضهم للحجر، ولمطالبة كثيرين، في أكثر من جغرافيا وقارة، بالسماح لهم بالصلاة الجماعية، وهو ما فعلته مدينة مينيابوليس الأمريكية، مع مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي، في الوقت الذي تتشدد فيه سلطات مدنية ودينية في بلدان إسلامية لهذه الاحتجاجات، فلا يفهم الاحتجاج في هذه البلدان إلا كخروج على سلطة الحاكم، وليس كمحاولة لتفهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الروحيّة، للناس.