هل يتجه اللاعبون الدوليون إلى إقرار قواعد جديدة للتعاطي مع الأوضاع في سورية، أو أجزاء منها، وخاصة الجنوب، بحيث تتشارك الأطراف في إدارة الصراع بما يساهم في ضبط إيقاعه، أم إن الأمور تسير إلى التصعيد والانفلات لتبدأ حرب تكاثرت نذرها ومؤشراتها؟
لا أحد يعرف ماذا يحصل في عمان بين الخبراء الروس والأمريكان، وما تتداوله المصادر لا يخرج عن طور التكنهات، سواء فيما يتعلق بإمكانية التوافق على إقامة منطقة آمنة تشمل جنوب سورية وجنوبها الشرقي، من درعا حتى التنف، أو التفاهم على توزيع مناطق النفوذ نظراً للأهمية الإستراتيجية لهذه المناطق التي تضع الطرف الذي يسيطر عليها بموقع المتحكم بالجيوسياسية الشرق أوسطية ويجعل اللاعبين الآخرين في وضعية محاصرة، وبالتالي فالمقاربة الأكثر قابلية “بالنظر لأوضاع الأطراف وصراعاتهم” تقاسم السيطرة والإشراف على هذه المناطق بدل سيطرة طرف واحد عليها.
تتطلب عملية إنتاج تسويات في هذه المناطق التوافق على مبادئ وأساسيات قد تنسحب على الحل السوري برمته، مثل عمليات الإعمار والتوافق على شكل السلطة التي ستتولى إدارة هذه المناطق، واختبار شكل العلاقة بين الأطراف والمركز، وبالتالي حسم مسألة شكل الدولة السورية المستقبلية ما إذا كان من الافضل أن تكون مركزية أم فيدرالية، ومن ثم يمكن ترحيل هذه التجربة وتعميمها على بقية المناطق السورية.
لكن مثل هذا السيناريو يقوم على فرضية مثالية جدا قوامها أن الأطراف الدولية” أميركا وروسيا” ينخرطون في الأزمة السورية بهدف تحقيق الإستقرار وتفكيك ديناميات الأزمة وإستعادة الحياة في سورية، وليس بغرض تحقيق أهداف إستراتيجية خاصة بهما، وهو ما تفنده سياساتهما المتبعة والمنفّذة على الأرض والقائمة على إعتبار رؤيتهما للصراع في سورية على انه ينطوي على فرص ومخاطر يتطلب الإستفادة منها وتوظيفها في إطار أوراقهما التفاوضية مع الطرف الأخر وإزاحة المخاطر أو التقليل من تأثيراتها قدر الإمكان، ما يرجح إحتمالية أن تكون المقاربة على شكل تقاسم للنفوذ أكثر منه تفاهم على إنتاج تسويات تشكل نواة للتسوية السياسية الكبرى في سورية. وما يرجح أيضاً إغراق إجتماعات عمان بمسائل تفصيلية معقدة يصعب معها التوصل إلى حل نتيجة إضطرار أطرافها لمراعاة إعتبارات كثيرة منها المصالح المتناقضة لحلفاء كل طرف.
وهذا يقودنا إلى التساؤل عما إذا كان الطرفان” الأميركي والروسي” قادران على إنتاج تسوية لا تتناسب ومصالح حلفائهما، وقد كشفت التطورات الميدانية في الأيام القليلة الماضية عن وجود حالة تمرد إيراني على الأوامر الروسية وهناك توجه إيراني لمشاغلة اميركا على مساحة واسعة في الأراضي السورية ومثلها مساحة مقابلة في المقلب العراقي، وفي هذا المتسع الجغرافي الذي أعلنته أميركا منطقة نفوذ ممنوعة على إيران وميليشياتها، لم تؤسس أميركا خطوط دفاعية ولا أنساق محكمة، كما لم تؤمن الكادر الكافي لحماية هذه المناطق، صحيح أن لديها قوة جوية رادعة، لكن هذه القوّة مكرسة أكثر لوضع الدفاع وليس للهجوم وضمن حدود وحالات معينة لا تتجاوزها.
في المقابل، تحشد إيران وميليشياتها قوّة عسكرية كبيرة في جنوب سورية بقصد تعديل موازين القوة لصالح نظام الأسد بعد أن سيطرت فصائل الثوار على مساحات واسعة من درعا ووضعت قوات الأسد في موقف حرج، ويراقب الأردن بحذر وتوتر هذه الحشود التي تقترب من حدوده في وقت أعلن وزير الخارجية أيمن الصفدي أن بلاده ترفض وجود قوات طائفية، ورغم ارتكان الأردن على التفاهم التنسيقي مع روسيا إلا أن الواضح أن الموقف الروسي متذبذب وغير جدير بالثقة وهو ما دفع الأردن إلى استعادة تحالفاته السابقة وإعادة الروح إلى مجموعة ” غرفة الموك” لمواجهة الاحتمالات السيئة لاقتراب إيران من حدوده.
من جهتها إسرائيل تراقب عن كثب تطورات الجنوب السوري، وكانت قد أعلنت أكثر من مرّة أن اقتراب إيران وحزب الله من الجولان خط أحمر لا يمكنها أن تتهاون معه.
ما بين اجتماعات عمان بين الأمريكيين والروس، والتصعيد والتحشيد المتسارع في جنوب سورية وجنوبها الشرقي ثمة سباق على إنتاج تسويات ما، أو الحصول على وضعيات مناسبة، فهل يظهر الدخان الأبيض من عمان وتتوصل أميركا وروسيا إلى التفاهم على إنشاء منطقة امنة تغطي جنوب سورية إلى جنوبها الشرقي، أم يبدأ الدخان الأسود في الصعود نتيجة تصادم القوى الإقليمية عبر إعادة خلط الأوراق من جديد بما يفشل أي إمكانية للتفاهم، الأكيد أن الإجابة ستنضج قريبا في ظل هذا المناخ الحار جداً.
العربي21-غازي دحمان