الانطباع الذي ساد بعد تصريحات وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، هو أن الجبهة الجنوبية مع سورية ستشهد عمليات عسكرية واسعة ضد التنظيمات الإرهابية، وبمشاركة أردنية.
لكن عند التدقيق في تصريحات كارتر، يظهر أن هذا الانطباع غير دقيق بالكامل. وزير الدفاع الأميركي تحدث عن عمليات عسكرية انطلاقا من الجنوب، وليس في الجنوب.
تنبغي الإشارة، أولا، أن الجبهة الجنوبية ليست خارج نطاق العمليات ضد تنظيم “داعش”؛ فهي كانت وما تزال بوابة لهجمات منسقة ضد أهداف إرهابية في عمق الأراضي السورية. غير أن بعض المتغيرات اللوجستية والحسابات العسكرية، هي التي دفعت إلى التفكير بتوسيع نطاق العمليات في مناطق دير الزور والرقة ومحيطهما من جهة الجنوب، وليس في محافظة درعا كما ذهبت التوقعات.
درعا؛ المدينة والريف، تشهد حالة من الاستقرار النسبي. والقليل من المواجهات التي تحصل هي، في الغالب، بين فصائل من المعارضة، إضافة لمناوشات محدودة بين المجاميع المسلحة وقوات النظام المتمركزة في قلب المدينة وبعض بلدات المحافظة.
والأهم من ذلك أن مناطق درعا لا تشهد حضورا كبيرا لمقاتلي “داعش”، يستدعي من واشنطن شن هجوم عسكري واسع. فوجود “داعش” يقتصر على مجموعات محدودة القدرات، وتحركاتها تحت عين الجانب الأردني. أما “جبهة فتح الشام” (النصرة سابقا)، فقد رحّلت عديد مقاتليها من جنوبي سورية على نحو مفاجئ قبل أيام.
لكن الحد الفاصل بين الأردن وسورية يبقى، على الدوام، خط عمليات بامتياز، تتولى فيه قوات حرس الحدود والأجهزة الاستخبارية التصدي لمحاولات تسلل الإرهابيين وتجار المخدرات والسلاح، ورصد تحركات المجموعات المسلحة، وضمان عدم تمركزها في نقاط قريبة من الأراضي الأردنية.
في نقطة أبعد داخل العمق السوري، ما يزال الأردن يدعم حالة “الستاتيكو” القائمة بين النظام والمعارضة المسلحة، ولا يطمح في هذه المرحلة إلى ما هو أكثر من ذلك.
ويبدو من تصريحات القادة العسكريين على الجانب الأميركي، أن اللجوء إلى الجبهة الجنوبية كبديل لشن هجمات واسعة على معاقل “داعش”، لم يحسم بعد، بانتظار نضوج التوافقات مع روسيا من جهة، والتأكد من قدرة المجموعات المسلحة التي تقاتل “داعش” في الميدان على شن هجمات فعالة، والاحتفاظ بالأراضي المحررة.
وما يعزز فرضية الجبهة الجنوبية، تمركز مقاتلات تابعة لقوات التحالف في القواعد الأردنية، وتوفر الإمكانات لشن ضربات جوية ميسرة.
من مصلحة الأردن خوض المواجهة الحاسمة مع الإرهابيين في الرقة ودير الزور من اتجاه الجنوب، لسد طرق الهروب نحو حدودنا، تماما مثلما حصل في العراق عندما أعطيت الأولوية لقتال “داعش” في الأنبار عوضا عن الموصل.
ليس لديّ شك بنية الأردن تغيير سياسته في سورية، بعد أن أثبتت نجاعتها طوال سنوات الأزمة. ولا أجد مبررا لتطير البعض، وإطلاق صيحات التحذير من تورط أردني في الدوامة السورية. أساسا، لم يعد تدخل القوى الكبرى مجديا في سورية، فما بالك بدولة مجاورة، تعرف حدود إمكاناتها، وتدرك من خبراتها أن أفضل الخيارات للتعامل مع مأساة عبثية كالتي تشهدها سورية، هو الصمود على خط النار وعدم الوقوع فيها.
الغد الأردنية