أول سؤال يخطر ببالك حين ترى ذلك الرجل متعب الملامح يجر عربة على ظهرها كسرات الخبز اليابسة والمتعفنة، ما هو مردودها؟ لماذا يجمعها؟ من الذي يستفيد منها؟، كيف له أن يحتمل برد الشتاء وحر الصيف وهو يدور بعربته المكشوفة باحثا بين البيوت والمحال عن الخبز اليابس.؟؟
مهنة جمع الخبز اليابس هي من المهن النادرة والموجودة في سوريا، حيث يقوم صاحبها بالمناداة بين الحارات بقوله: “إلى عندو خبز يابس للبيع “، هذه العبارة يكررها آلاف المرات يوميا، ليجمع أكبر عدد ممكن من الخبز، كما يقوم بسؤال محلات الخضار أو حتى دكاكين “السمانة” في الحارات.
أين يذهب بها لمن يبيعها؟؟، فبعد رحلة تعب طول اليوم ينتهي مشواره مع مغيب الشمس ليأخذ ما تم جمعه لمحال الفلافل والفول أو محال التوابل، كما يبيع القسم الأكبر منها لمحال خاصة تجمع الخبز بكميات هائلة ليقوم صاحب المحل بنشره في الشمس وتعريضه للهواء لمدة يوم كامل حتى يتم التأكد أنه قد يبس تماما، ويعبأ في أكياس كبيرة تزن حوالي 50 كيلو لتباع لمن يربي الغنم في المزارع القريبة من المدن وفي الأرياف.
حين نتحدث عن المشي لساعات طويلة تبدأ من ساعات الصباح الأولى لحين المغيب، تظن أن مردود هذه المهنة كبير مقارنة بالتعب المبذول لتكتشف أن سعر كيلو الخبز اليابس في أحسن الأحوال لا يتجاوز 50 ليرة سورية، أما إذا كان متعفنا وطريا فيبلغ ثمن الكيلو حوالي 10 ليرات سورية، فيؤكد صاحب المحال أن من يقوم بجمع الخبز اليابس في مدينة إدلب مثلا لا يتجاوز عددهم العشرة ليجمع كل واحد منهم ما بين 150 كيلو و100 كيلو.
كما أن بعض أصحاب محال الفلافل والفول يقوم صاحب المحل بتنشيف الخبز وطحنه ليصبح بودرة، ليزيده للحمص وتزداد كميته أكثر، فهذه الطريقة تعتبر نوعا من الغش وتقلل من جودة وطعم “الحمصانة”، كما أن بعض محال التوابل وخاصة الزعتر الناشف يقوم صاحب المحل بتنشيف الخبز وطحنه ليضيفه أيضا للزعتر ليعطي طعما لذيذا.
فالبيت السوري معروف في حرصه وتدويره لجميع ما يدخل له، فلا شيء في المنزل يرمى فمن يدور ليشتري الخبز يشتري أيضا كل شيء في المنزل من مادة البلاستيك ليتم بيعها وإعادة تدويرها من قبل المصانع المخصصة له، إلا أن إغلاق الكثير من المصانع قلل من فرص العمل، لتصمد مهنة “جمع الخبز اليابس” حتى هذه اللحظة.
المركز الصحفي السوري
أماني العلي