يبدو أن عراق ما بعد “داعش” الإرهابي لن يكون كما قبله.
فلم يعد يكفي طرد “داعش” من منطقة و”تحريرها” من قبضة التنظيم الإرهابي لكي يعود سكانها إليها أو حتى تعيد الحكومة فرض سيطرتها عليها مجدداً.
فكثير من المناطق باتت تخضع لقانون “وضع اليد” وفرض السيطرة من قبل ميليشيات مسلحة بعضها خارجة عن سيطرة الحكومة وأخرى تتبع لها حتى.
“جرف الصخر” بمحافظة بابل وسط البلاد إحدى تلك المناطق التي باتت خارج سيطرة “داعش” وحتى الحكومة.
فبعد أكثر من عامين ونصف العام على طرد “داعش” منها لا يزال سكانها يتسولون العودة إلى منازلهم تارة من الميليشيا المسيطرة عليها وتارة أخرى من الحكومة وتارة يتوسطون إيران ذات النفوذ الأكبر على الميليشيات الشيعية في العراق لتساعدهم في تحقيق ما بات حلماً بالنسبة لهم.
وتشير تقارير إلى أن الفصيل المسيطر على “جرف الصخر” كان وراء اختطاف الصيادين القطريين في يناير/ كانون الثاني 2015، والذين أطلق سراحهم منذ أيام بعد مفاوضات طويلة شاركت بها الحكومة العراقية لإطلاق سراحهم وفق صفقة سرية لم يعلن عن تفاصيلها.
وكان مسلحون لم يُعلن عن هويتهم حتى اليوم اختطفوا في ديسمبر/ كانون الأول 2015، مواطنين قطريين دخلوا بصورة مشروعة إلى العراق، وكانوا في مخيم للصيد في منطقة صحراوية تتبع محافظة السماوة جنوبي البلاد، قبل إطلاق سراحهم نهاية الشهر الماضي بعد مفاوضات طويلة وأحاديث عن دفع فدية كبيرة جدا.
تقع ناحية جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل على بعد(60 كم جنوب غرب العاصمة بغداد) بمساحة تبلغ 50 كم مربع، وكان يسكنها نحو 50 ألف مواطن أغلبهم من قبيلة الجنابيين(سنة) من الفلاحين العاملين في الزراعة كونها تقع على الضفة اليمنى (الغربية) من نهر الفرات.
الشيخ أحمد ناصر الجنابي أحد وجهاء قبيلة الجنابيين بجرف الصخر قال “لم يتمكن المواطنون من أهالي جرف الصخر من الحصول على موافقة الميليشيات التابعة للحشد الشعبي(شيعة) التابع للحكومة للعودة الى مناطقهم رغم طرد داعش منها”.
وذكر الشيخ الجنابي في تصريحه “للأناضول”، وهو يسكن حاليا في مدينة الرمادي بمحافظة الانبار(غرب)، أن “نسبة المواطنين الذين عادوا الى جرف الصخر لا تتجاوز 5% فقط وجلهم من النساء والاطفال، فميليشيات الحشد المتواجدة في الناحية تمنع عودتنا الى منازلنا”.
وبهدف فك “المنع” الذي تطبقه الميلشيات المسلحة بخصوص عودة أهالي ناحية جرف الصخر، يكشف خالد المفرجي النائب عن اتحاد القوى العراقية(الممثل الاكبر للسنة في البرلمان)، عن قيام وفد عشائري يمثل الناحية بزيارة إيران عدة مرات خلال العامين الماضي والحالي آخرها في فبراير/ شباط 2017 ليتوسطوا لدى طهران للضغط على مصادر القوة في بغداد لإعادتهم الى منازلهم.
وفي تصريح خاص “للأناضول”، قال المفرجي، إن الوفد العشائري المذكور التقى مسؤولين كبار في طهران(لم يكشف عنهم) بالتنسيق مع السفارة الايرانية في بغداد، لكن “من دون جدوى”.
وبين أن “نواب اتحاد القوى يقدمون كل مرة ملف إعادة النازحين إلى جرف الصخر وحتى غيرها إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهو يجيبهم في كل مرة بأن الاجهزة الامنية تقوم بتدقيق اسماء المتورطين مع داعش لمحاسبتهم ومنع عودتهم مع النازحين في تلك المناطق، وان الجميع سيعودون لكن تباعا”.
وفي 17 مارس/ اذار الماضي وجه عضو لجنة الامن والدفاع النيابية محمد الكربولي، سؤالاً شفهياً لرئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، بشأن التلكؤ في إعادة النازحين الى ناحية جرف الصخر في بابل، وان الاخيرين يواجهون ظروفا معيشية صعبة في ظل بقائهم بمخيمات النزوح بالرغم من إكمال تحرير وتطهير مناطق سكناهم.
وتضمنت الاسئلة التي اطلعت عليها “الاناضول”، الاستفسار عن “مصير المواطنين المختطفين أيضا من أبناء الفلوجة والصقلاوية في سيطرة الرزازة(نقطة تفتيش) بمحافظة الأنبار، وأبناء ناحية جرف الصخر في بابل، والمختطفين في سامراء وديالى(شمال)، وأبناء حزام بغداد، ومن يتحمل مسؤولية الحفاظ على حياتهم والكشف عن مصيرهم”.
وفي حديث “للأناضول” اتهم النائب الكربولي كتائب “حزب الله” العراقي وهو فصيل شيعي مسلح، ضمن الحشد الشعبي التابع للحكومة العراقية، باختطاف 2900 مواطن سني من الانبار وديالى وبابل، وذلك خلال العمليات العسكرية التي شارك الحشد الى جانب القوات الحكومية الرسمية فيها ضد تنظيم داعش الارهابي في تلك المناطق.
وقال الكربولي، إن “الكتائب(حزب الله) هم وراء عملية اختطاف المدنيين السنة، وعناصرها يسيطرون أيضا على ناحية جرف الصخر شمالي بابل ويمنعون عودة الاهالي الى منازلهم بعد ان استحوذوا عليها بالقوة”.
وأشار الى ان “هذا الفصيل هو نفسه الذي اختطف الصيادين القطريين وأطلق سراحهم خلال الايام الماضية”.
وفي ذات السياق، قال النائب عن تحالف القوى أحمد السلماني “نعتقد بأن الجهة التي خطفت وساومت على إطلاق سراح الصيادين القطريين هي ذاتها التي خطفت أبناء مُدُننا، ورئيس الوزراء على علم بهذا الأمر”، وفق قوله.
وقال في تصريحه للأناضول “بحسب ما أفاد بهِ مختطفون أفرج عنهم، فإنهم كانوا لدى فصيل مُسلح مرتبط بالحكومة”.
وعادة ما تنفي الحكومة العراقية الاتهامات الموجهة اليها بخصوص التلكؤ في اعادة النازحين وعدم ضغطها على الميليشيات التي يتهم بعضها بارتكاب انتهاكات على أساس طائفي في بعض المناطق.
وشهدت مدن الانبار(غرب) وديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى(شمال) عمليات نزوح جماعية لأهالي تلك المحافظات، منذ انطلاق العمليات العسكرية في 14 يونيو/ حزيران 2014 ضد تنظيم داعش الارهابي الذي استحوذ على مساحة 40% من العراق، قبل طرده من مساحات كبيرة من تلك المناطق.
وفيما شهدت بعض المدن اعادة النازحين الى مناطقهم المحررة لاتزال مدن اخرى تحت سيطرة ميليشيات الحشد الشعبي التي تمنع اعادتهم رغم وعود الحكومة المتكررة.
وفي 10 نيسان/ أبريل الماضي أعلن سعد الحديثي المتحدث باسم المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة العراقية، عن قيام الحكومة بوضع برنامج لتأهيل البنى التحتية والدوائر الرسمية والمنشآت الحيوية في المناطق المحررة، تضمنت تأهيل مراكز الشرطة والدفاع المدني، والمباني التربوية والجامعات، فضلاً عن توفير الوقود وافتتاح المحطات وتأهيل المنشآت النفطية في 21 مدينة محررة وبمبلغ مالي قدره 450 مليار دينار(حوالي 375 مليون دولار) وذلك لاعادة النازحين الى مدنهم وقراهم التي هجروا منها.
المصدر:وكالة الأناضول