تصدّرت أخبار الحصار الذي تخضع له مضايا، ويهدد نحو 40 ألف مدني فيها بالموت جوعاً عناوين الصحف العالمية وبيانات المنظمات الدولية، إلا أن ما يذكر في الخطوط العريضة هو قوات الأسد أو قوات النظام، بدلاً من ميليشا حزب الله التي تعتبر المسؤول الرئيسي عن الحصار في مضايا.
ويبدو أن الطريق إلى القدس وفك الحصار عن غزة يمران بحصار مضايا وقتلها جوعاً، وقد مر قبلها بمحطات “إنسانية” كثيرة تحارب الإرهاب التكفيري فحسب.
يعتبر منطق محور الممانعة أفضل طريق للقضاء على جرائم الحرب هو ارتكاب جرائم حرب، وفي بعض الحالات وللضرورة الشعرية الممانعة، يجوز العمل على إحداث تغيير ديموغرافي، بما يعزز مواقع المقاومة.
هذا وقد نال حزب الله موقعه المميز في قوائم التنظيمات الإرهابية لدى دول كثيرة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، ومع أن هذه القوائم لا تحمل من المصداقية إلا في أنها اتفاق لمجموعة من القوى التي تمارس الإرهاب المنظم على أنها ترفض الإرهاب الديني للدولة “الثورية” الإيرانية، من خلال أذرعها العسكرية في العالم العربي، إلا أن قدرات حزب الله تبدو أخطر وأعمق على المنطقة برمتها، فعلى الرغم من التنسيق الروسي الإسرائيلي في سورية، نقل حزب الله مواقع له ليتمركز بالقرب من القواعد العسكرية الروسية في سورية، ما يؤمن له غطاء جوياً، إضافة إلى الخبرة العسكرية التي يكتسبها، بمرور الوقت، بمعاركه ضد فصائل عسكرية مختلفة على أراض جديدة في سورية، لم يعتد خوضها.
وانتقل من تكتيكه الدفاعي الذي تدرب عليه في جنوب لبنان إلى تكتيك هجومي، يستهدف السيطرة على مدن سورية وقراها، وإخراج قوى المعارضة منها، وقد بات الآن يقوم بعملياته بالتنسيق مع الجيش الروسي، وهو أحد أقوى جيوش العالم، وقد أثبت جدارته بتحقيق انتصاراتٍ عديدة في حمص والقلمون، في حين خسر الحرس الثوري الإيراني معركته في درعا جنوب سورية.
يضاف إلى ذلك الخبرة في استعمال الأسلحة الحديثة، وإدارة غرف العمليات في الجيوش المنظمة الدولية، والربط بين العمليات الجوية والعمليات البرية.
في معارك كثيرة، فشل فيها جيش النظام في سورية، استطاع حزب الله تحقيق تقدم ملحوظ على جبهاتها، وحتى الآن تحكم قوى الحلف الإيراني الروسي سيطرتها على الساحل السوري ومنطقة القلمون، ما يعني تغذية مستمرة ومستدامة لحزب الله، وعلى العكس من النظام السوري ورموزه الذي يعد نقطة فصل في المفاوضات الدولية على مستقبل سورية، لا يرد ذكر حزب الله إلا في إطار إخراجه من الساحة السورية، على الرغم من أن حزب الله يحاول، وقد بدأ فعلاً بالتحول إلى قوة إقليمية في المنطقة، وعلى الرغم من صفاقة الراية التي حملها في الدفاع عن حرية الرأي ضد السعودية في قضية نمر النمر، إلا أن تصريحاته تشير إلى محاولاته للعب دوره الإقليمي.
يشير كل ما سبق، بالضرورة، إلى التعامل مع نمو حزب الله بجدية أكبر، في حين لا تبدو الولايات المتحدة، أو القوى الدولية، في إطار خطوات جدية ضده، فعلى الرغم من الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على حزب الله، والذي عززته، أخيراً، بمحاولة لإخراجه من المنظومة المالية العالمية، بفرض قيود على تعاملاته مع البنوك اللبنانية، فما زالت القوى الدولية في حيرة من أمرها، فحزب الله لا يهاجم الدول الأوربية داخل أراضيها، كما يفعل تنظيم الدولة الإسلامية، كما أنه لا يقتل الصحفيين وعمال الإغاثة الأجانب، على الأقل منذ الحرب الأهلية اللبنانية، في حين تتحالف فصائل كثيرة في المعارضة السورية مع جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سورية، ما يجعل جملة المعارضة السورية العسكرية خصماً مباشراً للغرب، في حين أن حزب الله خصم غير مباشر الآن، ما يعني أن ميزان العدالة المغشوش الذي يحمله الغرب لن يميل لصالح إصدار قرار بشأن حزب الله الآن، فتنظيم الدولة الإسلامية وغيره يروجون أنفسهم بجدارة، ليتصدروا أولويات الحرب الغربية، وأوضح مثال أن حزب الله، بوجهه المغطى بدماء السوريين، وخيالات جوعهم وقهرهم، أصدر بياناً يحاول فيه التملص من مسؤوليته عن تجويع مضايا، في حين دعا قاضٍ في حركة أحرار الشام إلى إبادة كفريا والفوعة اللتين تحاصرهما الحركة.
من هنا، تأتي أهمية التركيز، وبجدية، على كشف جرائم حزب الله بحق السوريين، وحقيقة الأعمال الإجرامية التي يمارسها حزب الله يجب أن تأخذ مكانها في ذاكرة الرأي الدولي العام، وأن يكون اسمه ملاصقاً لما يقترفه من أفعال في عناوين الصحف والبيانات، فهي عوامل قد تساعد مستقبلاً على اتخاذ قرار دولي بشأنه، وتمنعه من الاستمرار في ممارساته بحق الشعوب: السوري واللبناني والفلسطيني.
العربي الجديد