تعود جذور العلاقات بين أسرة آل ثاني، وأسرة آل سعود إلى زمن الدولة السعودية الثانية التي أنشأها الأمير تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود في سنة (1818م) بعد سقوط الدولة السعودية الأولى على يد القوات العثمانية بقيادة إبراهيم باشا. وكانت العلاقة ودية في عهد الإمام عبد لله بن فيصل والذي كان بينه وبين الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني مؤسس قطر الحديثة مراسلات وقصائد تنم عن علاقة قوية بينهما .
اللقاء الأول بين الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني والملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة
بعد سقوط الدولة السعودية الثانية في عام (1891م) اتجه الأمير عبد الرحمن بن فيصل إلى قطر بعد أن أرسل خطابا إلى حاكم قطر الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني يطلب فيه استضافته، وكان معه زوجاته وأبناؤه وعلى رأسهم ابنه الأمير- في ذلك الوقت – عبد العزيز بن عبد الرحمن مؤسس الدولة السعودية الثالثة وكان عمره آنذاك 15 سنة، وعندما وصل والد الملك عبد العزيز إلى قطر استقبلهم الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني وأخرج حريم آل ثاني من غرفهن وصناديقهن وملابسهن وأصواغهن وأنزل حريم آل سعود مكانهن، فكانوا جميعا في ضيافته حتى استكملوا عنده ثلاث سنوات، فرغبوا بعد ذلك في الرحيل إلى الكويت.
وكان استقبال الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني في ذلك الوقت يعتبر شجاعة في ظل الظروف المحيطة وتحديا لحكم محمد بن رشيد الذي استولى على نجد وورث الدولة السعودية الثانية.
قطر كعبة المضيوم
من يعرف الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني حق المعرفة لا يعجب من استضافته لأسرة الأمير عبد الرحمن الفيصل آل سعود، فقطر منذ عهد المؤسس هي كعبة المضيوم فما كان يسمع الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني بشريف مسجون، أو مستغيث ملهوف، أو مكروب محزون، أو مظلوم إلا ويسخر جاهه ويبذل كرائم ماله فيه، ومن أشهر من استضافهم آل سعود عام 1892م وعلى رأسهم الأمير عبد الرحمن الفيصل والد الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية. وممن استضافهم الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني من أعيان نجد الأمير فهد بن سعد بن سعود بن فيصل بن تركي آل سعود .
وممن شفع فيهم الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني من أهل نجد ثلاثة عشر وجيها من أسرة آل بسام وعلى رأسهم كبيرهم عبد الله بن عبد الرحمن البسام، الذين كانوا تحت الإقامة الجبرية لمدة سنة وشهرين في عنيزة ، وعندما توجهوا لزياررة قطر استضافهم الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني وذكر مؤرخ نجد العلامة عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام في ترجمة الشيخ قاسم: “والشيخ قاسم بن ثاني صاحب وفاء، وصاحب صلة رحم، وصاحب إنصاف وعدل، فهو من أكبر الساعين في فكاك (أعيان أسرتنا) البسام وعلى رأسهم العم عبد الله العبد الرحمن البسام، وذلك حينما حددت إقامتهم في الرياض لمدة سنة بعد استيلاء الإمام عبد العزيز بن سعود على عنيزة عام (1322ه-1904م)، وقد سعى عدة جهات عليا في فكاكهم، لكن الذي تحمس لفكاكهم، والذي نجحت مساعيه هو الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني رحمه الله رحمة الأبرار، وحشره مع المصطفين الأخيار”.
وممن شفع فيهم الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني وبذل فيهم ماله – أربعين ألف روبية – وجاهه أحد عشر رجلا من الهزازنة وعلى رأسهم راشد الهزاني أمير الحريق في عام 1910، والذين سجنهم الملك عبد العزيز لما يقارب السنة فتوجهوا لقطر واستضافهم الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني لمدة سنتين. وسمع الشيخ قاسم بقصتهم من إمام كان في قطر من الهزازنة واستعبر هذا الإمام في أحد الأيام أثناء قراءة بعض آيات الإبتلاء فاستدعاه الشيخ قاسم بعد الصلاة وقد أحس أنه مصاب في بعض أهله وسأله فقال إني تذكرت جماعتي الهزازنة المحبوسين في سجن ابن سعود فوعده أنه سيسعى لفك أسرهم.
وممن سعى في فكاكهم الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين الذي نفاه الإنجليز إلى الهند ثم إلى عدن ، ولما لم يقبل سعيه في شفاعته بألف من كرائم الإبل وتسعين من عتاق الخيل، إلى أن قُبلت شفاعة السلطان عبد الحميد لدى الحكومة البريطانية فذهب إلى مكة عام 1305هـ/ 1888م وتوفي بها سنة 1307هـ/ 1890م.
الملك عبد العزيز يطلب من الشيخ قاسم طرد من التجأ إليه
لا شك بأن علاقة الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني كانت قوية مع الملك عبد العزيز الذي كان في سن أبنائه فدعمه بالمال والسلاح بعد أن كان ابن رشيد يسيطر على نجد كلها، وكان الشيخ قاسم يقوم بهذا الأمر من منطلق عقيدته السلفية فهو يعتقد أن حكم آل سعود يطبق الشرع ويبسط الأمن.
وسجل التاجر المؤرخ محمد العلي العبيد الذي كان تاجرا يتنقل بين مختلف مناطق الجزيرة العربية فذكر في مخطوطته “النجم اللامع للنوادر ورقة 162 وما بعدها” أن الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني نزل عنده فهد بن سعد العرافه ضيفا (العرايف من آل سعود من فرع منافس للملك عبدالعزيز على الحكم وحاربوه ولكنه هزمهم)، ثم نزل عنده أيضا عبد الله بن نادر أمير السليل من وادي الدواسر، وكان هذا الأخير يحب أبناء سعود الفيصل (العرافة)، فخاف الملك عبد العزيز من اجتماع هؤلاء عند الشيخ قاسم آل ثاني وكلهم أعداء له، فكتب للشيخ قاسم كتاباً يتهدده فيه حتى يفسح لهم ويبعدهم عنه، وكان كتابه كما أخبرني به راشد الهزاني من رأسه وقد أطلعه عليه الشيخ قاسم بن ثاني وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل إلى جناب المكرم الشيخ قاسم بن ثاني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، تعرف أنك زبنت عدواني من الملا وجمعتهم عندك فهذا فهد العرافه عندك وهو يدوّر على راسي، وهذا عبد الله بن نادر وأنت تعلم وش أفعاله مع عيال سعود، وهؤلاء الهزازين عندك ولا يجهلك ما أجروه معنا. بالحاضر إذا وصلك كتابي هذا ترخّص لهم ويرحلون عنك، ولا يجلسون أكثر من ثلاثة أيام بعد وصول كتابي إليك، وإلا فإنت احتسب بضد ما عاملتك به سابقاً ليكون معلوماً والسلام.
وشرح الكاتب المقصود بذلك فقال “أي فيكون بعد السلم الحرب، وبعد الصداقة عداوة فاختر لنفسك ما ترى هو الأمثل”.
ويستأنف فيقول: “فلما قرأ الشيخ قاسم كتاب الإمام عبد العزيز أخذه المقيم المقعد (أي انزعج غاية الإنزعاج) فدعا برجل من ضيوفه محنك قد عركته الحوادث فاختصر معه سراً، وأطلعه على كتاب عبد العزيز واستشاره فقال له المستشار يا حضرة الشيخ قاسم، هذا ملك حشو ثيابه الدهاء، وقد أعطي فكر ثاقب وغور عميق. وخطاباته تفلّ عزم عدوه حينما يتلقى منه الخطاب، ففي خطابات عبد العزيز سحر صائب، وقلما تجد من الرجال من يقابله بمثل ما يقول. وإني أرى اليوم معاملة الخطاب باللين لم يعد لها محل، فأنت عامله بالشدة والغلظة ولا توريه لين فيطمعه ذلك فيك”.
ويتابع المؤلف وصف ما جرى فيقول:
ثم إن الشيخ قاسم دخل على كاتبه في غرفة السر (وهي كناية عن المكتب الخاص للحاكم) وأمره أن يكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من الشيخ قاسم بن ثاني إلى جناب المكرم العزيز عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل
تحية ووقاراً، تلقينا كتابكم الكريم وتلوناه مسرورين بصحتكم ونهوض عزكم، وكان جوابنا لكم أن قلنا ونحن نقرأه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. وأما الجواب المودع ببطن الصحف فإليك نص خطابه، فقد ذكرت لنا في كتابك أننا نطرد عن ضيافتنا فلان وفلان، أما الهزازين فقد جاوبتك عنهم مراراً أيام كانوا في حبسك وبذلت لك جاهي ورجائي شافعا إليك بهم أن تطلعهم فلم تشفّعني فيهم، ثم آل الأمر أن تجعلهم رقيقاً ومماليك يشرون بدراهم معدودة فاشتريتهم منك بمالي أربعين ألف روبية دفعتها إليك وخلصتهم من حبسك، ومن رقّك، ودخلوا في رقّي أنا وحدي ولا فخر في ذلك. وأما فهد بن سعد آل سعود وعبد الله بن نادر فهم ضيوف عندي مكرمون، ومعاملتي للضيف: أحمله على رأسي وإن نزل من رأسي فعلى أكتافي إلى أن تحين الفرصة لمغادرتي رغبة منه، فحينئذ هو حر بنفسه ولن أجد مسوّغاً لمنعه، ومعاذ الله أن يتحدث العرب عن قاسم بن ثاني أنه طرد ضيفه وضيوفه. أما هذا الكتاب الذي أتاني منك تهددني به فهو خير جزائي منك حينما أتاني والدك عبد الرحمن الفيصل ومعه حريمه وعياله فأخرجت حريم آل ثاني من غرفهن وصناديقهن وملابسهن وأصواغهن وأنزلت حريمكم مكانهن، فكانوا جميعا في ضيافتي وهم في كل يوم لهم عندي عيد يتجدد حتى استكملوا عندي ثلاث سنوات، فرغبوا في الرحيل إلى الكويت فما وسعني أن أمنعهم فتركتهم وحريتهم.
فغاية ختام القول إن كنت ترى بنا ضعفا عنك وتشتهي حربنا فلا تذخر من قوتك بشيء، ولكل باغٍ مصرع والسلام عليكم.
فختم الكتاب، وكان رسول الملك عبد العزيز في انتظار رد الجواب. فاستدعاه الشيخ قاسم وبدّل مطيته بأطيب منها، وأمره أن يحث السير إلى الرياض.
وبعد أن مضى اثنا عشر يوماً لا غير فإذا عبد العزيز الرباع خادم الملك عبد العزيز قد أناخ مطيته عند باب الشيخ قاسم ومعه أهل أربع ركائب غيره يحملون من الإمام عبدالعزيز كتاباً وهو جواب لكتاب الشيخ قاسم بن ثاني، ونصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من الولد عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى جناب الوالد المكرم قاسم بن ثاني الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، على الدوام دمتم بأحسن صحة.
كتابكم الشريف وصل وكان جواباً لما كتبناه لكم، فنرفع لكم خطاباً بنية خالصة وهو أني أقول والله وبالله وتالله يا كتاب كتبته لك إني كتبته وشعوري غائبٌ عني في تلك الساعة وإني أراك مثل والدي عبد الرحمن الفيصل، ووالله لو في بطنك عشرة من آل مقرن (وهم أجداد آل سعود) إني فلا أعاتبك عنهم، ولا تسمع مني ما يكدر الصفو بيني وبينك، فافعل ما شئت مع ضيوفك فليس لك لائم ولا معارض والسلام”.
ويختم الكاتب بقوله: فبهذا كلٌ رضي على صاحبه وانحسم الخلاف. انتهى ما نقلته من المخطوطة.
فرحم الله المؤسس الشيخ قاسم والملك المؤسس عبد العزيز آل سعود.
ترك برس