قال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في تصريح له يعود إلى شهر أبريل الماضي، إن بلاده تقترب من “نقطة الانهيار” بسبب الضغوط التي تفرضها استضافة لبنان لعدد كبير من اللاجئين السوريين، وأضاف أنه يخشى اضطرابات قد تندلع بسبب التوتر بينهم وبين اللبنانيين، وهو أمر ظل مصدر صداع من حكومة نجيب ميقاتي إلى حكومة تمام سلام وصولا إلى سعد الحريري نظرا لتعقيدات القضية وحساسيتها. وأحدث دليل على هذا التعقيد الجدل الذي يطرح اليوم بقوة على خلفية الحوادث التي شهدتها مخيمات اللاجئين والحديث عن مخطط يقول البعض إن وراءه حزب الله هدفه ترحيل السوريين إلى بلادهم بالتوافق مع نظام دمشق.
بيروت – يتذكر اللبنانيون هذه الأيام السجال اللبناني-اللبناني الذي جرى إثر مقتل الزعيم الصيداوي معروف سعد برصاص قوات الأمن والجيش وهو يقود مظاهرة في مدينة صيدا جنوب البلاد في 6 مارس من عام 1975 دفاعا عن حقوق الصيادين في مدينته.
أثار الحادث غضبا ضد الجيش اللبناني من قبل المناصرين لسعد ومناصري ما كان يسمى آنذاك بالقوى التقدمية في البلاد، فيما أثار الأمر تضامنا كاملا مع الجيش اللبناني من قبل القوى والتيارات المسيحية اليمينية التي خرجت بمظاهرات دفاعا عن الجيش اللبناني.
أسس هذا السجال آنذاك للحرب الأهلية اللبنانية التي ستنفجر لاحقا إثر مجزرة ارتكبت في 13 أبريل من نفس العام ضد حافلة كانت تقل فلسطينيين في منطقة عين الرمانة المسيحية في ضواحي بيروت.
وعلى هذا فإن السجال الجاري هذه الأيام حول قضية مقتل أربعة معتقلين سوريين تم اعتقالهم في الهجوم المباغت الذي قام به الجيش اللبناني ضد أحد مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة عرسال شرق البلاد، يجري بين تيارين يقسمان اللبنانيين بين من يطالب بإنصاف اللاجئين والتحقيق في ملابسات الأمر، وبين من يعتبر أن هناك مؤامرة ضد الجيش اللبناني تستهدف النيل من إنجازاته اللافتة ضد الإرهاب في البلد.
تتحدث الأوساط القريبة من اللاجئين السوريين في تلك المنطقة عن أن الجيش اللبناني قام بهجوم عنيف غير مبرر استهدف المدنيين في مخيم عرسال في البقاع اللبناني، وقام بانتهاك صارخ لحقوق اللاجئين، وباعتقالات جماعية عشوائية طالت المئات تم الإفراج عن أغلبهم بعد ذلك.
ورغم أن رواية الجيش اللبناني تحدثت عن قيام انتحاريين بتفجير أنفسهم أثناء ذلك الهجوم، تنفي تلك الأوساط ذلك وتنفي حصول أي انفجار في الخارج، وتؤكد أن الجيش اللبناني حاصر أحد المسلحين في غرفته وأن هذا المسلح فجر قنبلة يدوية بنفسه داخل الغرفة.
وتفاجأ اللبنانيون بما صدر عن الجيش اللبناني من بيان رسمي يرجع بواعث وفاة المعتقلين الأربعة إلى أسباب مرضية اختلطت مع موجة الحر التي تضرب لبنان هذه الأيام.
واعتبر الناشطون أن البيان ركيك البنيان ضعيف الحجة يذكرّ بالبيانات التي تصدر عن النظام السوري في معرض تبريره لوفاة المعتقلين في معتقلاته. فيما نفت أوساط اللاجئين السوريين رواية الجيش اللبناني مؤكدة أن المعتقلين كانوا يتمتعون بصحة جيدة وأن الضحايا الأربعة قضوا تحت تأثير أعمال التعذيب التي مورست ضدهم.
أثار ناشطو حقوق الإنسان هذه القضية من على كافة المنابر الإعلامية والحقوقية وطالبوا بتحقيق نزيه لكشف ملابساتها، فيما تدخلت منظمة هيومن رايتس ووتش على الخط مطالبة الجهات المعنية في لبنان بفتح تحقيق فوري للاقتصاص ممن اقترفوا هذه التجاوزات والتي حسب رأيهم هي التي أودت بحياة اللاجئين السوريين الأربعة.
ولم تستطع الحكومة اللبنانية أن تصم آذانها طويلا عن هذه القضية، فدعا وزير حقوق الإنسان اللبناني أيمن شقير، الخميس، إلى فتح تحقيق في هذه القضية. وقال شقير في بيان “حفاظا على صورة الجيش ومنعا لأي شائعات قد تكون مغرضة نطلب من القيادة والقضاء المختص فتح تحقيق شفاف في كل ما تم تناوله مؤخرا من صور وأخبار حول عملية التوقيف الأخيرة في عرسال وعن الأسباب التي أدت إلى وفاة عدد من الموقوفين“.
وتقول أوساط اللاجئين السوريين إن ممارسات الجيش اللبناني هدفها شيطنة الوجود السوري في لبنان وفرض حالة يأس لا تطاق عليهم من أجل إجبارهم على العودة إلى سوريا، على نحو يجعل من عودتهم أكثر رحمة مما يمارس ضدهم في مخيمات لبنان، خصوصا وأن حرائق نشبت في مخيمات لجوء أخرى في البقاع بعد أيام على هجوم الجيش على مخيمات عرسال، ما أوحى بأن يدا خبيثة تعبث في هذا الملف لصالح حسابات لبنانية أخرى تتجاوز مسألة مكافحة الإرهاب.
غير أن مصادر قريبة من الجيش اللبناني حذّرت من التشويش على المهام التي يتولاها الجيش لرد أخطار الإرهاب عن لبنان، وأن الجدل الراهن لا يأخذ بعين الاعتبار صعوبة الميدان الذي يعمل داخله الجيش ولا يعي خطورة أمر حادثة عرسال التي شهدت تفجير خمسة انتحاريين أنفسهم، ولا يدرك خطورة وحساسية ما ينتظر لبنان بعد القضاء على داعش في الموصل في العراق وفي الرقة قي سوريا.
وفيما أن الأحزاب المسيحية وحدها هي من تولت الدفاع عن الجيش اللبناني في مأزقه عام 1975، فإن من يتولى هذه المرة الدفاع عن المؤسسة العسكرية اللبنانية في مأزقها الحالي هو حزب الله وحلفاؤه، بما يفتح الباب أمام تفسيرات ترى في سلوك الجيش اللبناني حيال قضية اللجوء السوري ما يتسق تماما مع أجندة حزب الله في هذا الإطار.
المصدر : صحيفة العرب