يعتقد القائد القوي لقوات سوريا الديمقراطية، وهي ميليشيا عسكرية تدعمها الولايات المتحدة حاليا في معركة الرقة الأخيرة، أن سقوط داعش في عاصمته المعلنة الرقة قد يتأخر بسبب مواجهات تلوح في الأفق بين قواته والقوات التركية غرب نهر الفرات. وقال في تصريح في تموز/ يوليو الحالي إن موقفنا واضح. سنقاتل بكل قدراتنا.
إن آخر ما تحتاجه سوريا هو فتح جبهة أخرى بين الأكراد والأتراك، ولكن هذه المرة في الأراضي التي يعتقد عموما أنها جزء من الإقطاعية الروسية في البلد الذي مزقته الحرب.
بدأت المواجهة الأخيرة بالقصف التركي المتكرر على مدينة عفرين غرب نهر الفرات التي دخلت حيز نفوذ روسيا منذ أبريل/ نيسان الماضي. في ذلك الشهر، تم نشر القوات الروسية في المدينة المنسية. وقيل إن هذه القوات تساعد وحدات حماية الشعب التي تصنفها أنقرة منظمة إرهابية، بسبب انتمائها إلى حزب العمال الكردستاني المحظور.
انتشرت على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي صور الدبابات التي تحمل أعلاما روسية ترفرف في شوارع المدينة. كان الروس يستعرضون ويريدون أن يرى هذا الاستعراض كبار المسؤولين الأتراك والرئيس، رجب طيب أردوغان. وجاءت صور أخرى من عفرين لضباط روس يرتدون شارات قوات حماية الشعب على زيهم، ويلوحون بأعلام الوحدات الحمراء.
في ذلك الوقت، كانت موسكو تحاول يائسة إثارة الأتراك، بعد أن غضبت من تقارب أردوغان مع الإدارة الأمريكية الجديدة. عملت الاستراتيجية مفعول السحر، فاستجاب الرئيس التركي لمطالب روسيا بشأن سوريا، وطالب بشرط واحد فقط في المقابل: أن لا يسمح أبدا بإقامة دولة كردية على الحدود التركية السورية.
كان فلاديمير بوتين مستعدا لتقديم ذلك الوعد عندما اجتمع مع أردوغان في سان بطرسبرغ في آب/ أغسطس الماضي. تغاضى بوتين عندما عبرت القوات التركية إلى سوريا، وطردت الأكراد وداعش من المدن الحدودية مثل جرابلس وإعزاز، ثم توجهت نحو بلدة الباب، التي تقع على مسافة 40 كيلومترا شمال شرق حلب، وضمتها إلى الجيب التركي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
يأمل أردوغان في استخدام المدن الثلاث وما بينها منطقة عازلة لإبقاء العناصر الكردية بعيدا، وفي نهاية المطاف نقل الملايين من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في بلاده منذ عام 2011 إلى هناك. وطوال العملية العسكرية المعروفة باسم درع الفرات لم يبد الرئيس الروسي بوتين أي اعتراض.
والآن وصل شهر العسل إلى آفاق جديدة حيث اتفق الجانبان على السماح للقوات التركية بالتوجه إلى عفرين وطرد الميليشيات الكردية من ثاني معاقلهم الرئيسية غربي نهر الفرات بعد منبج التي تبعد 30 كيلومترا عن النهر الكبير. هذا الهجوم الذي بدأ في ريف عفرين في 27 و28 يونيو/ حزيران، يأمل الأتراك أيضا بإخراج الأكراد من مدينة تل رفعت الواقعة على بعد حوالي 40 كيلومترا شمال حلب. وتقول تركيا أيضا إنها أصبحت حاضنة للميليشيات الكردية.
لم تصدر عن الكرملين ولا وزارة الخارجية الروسية كلمة إدانة واحدة. وقال قائد وحدات الحماية الشعبية، سيبان حمو، في مقابلة أجرتها معه صحيفة الشرق الأوسط إن “الروس متواطئون في الهجوم”، مضيفا: أن “من الواضح أن هناك اتفاقا تحت الطاولة بينهما والأتراك. دعم الروس الهجوم، أو أنهم لا يعترضون عليه”. وحذر من أنه إذا لم يتوقف الهجوم التركي، فإنه يمكن أن يعرقل الهجوم الكبير الذي تشنه قوات سوريا الديمقراطية على مدينة الرقة.
تشعر الميليشيات الكردية في عفرين بأن الكرملين ضحى بها. وبالإضافة إلى منبج التي حررت من داعش في آب 2016، فإن عفرين هي الجيب الكردي الوحيد غرب الفرات الذي يسيطر عليه الجيش الروسي. توجد في جميع الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد طائرات وقواعد عسكرية أمريكية في الأشهر الأخيرة، قاعدة في كوباني، واثنتان في الحسكة، وواحدة في القامشلي، واثنتان في المالكية وأخرى في تل أبيض.
وقال أحد الأكراد الغاضبين في مقطع فيديو ظهر على المنتديات الكردية: “هل يجرؤ الأتراك على الهجوم على أي من هذه المدن، حيث توجد الآن قواعد أمريكية؟ بالطبع لا، لكن بوتين مختلف، إذ لا يبدو أنه يهتم، وسيترك الأتراك يستهدفون عفرين، ولا يفعل شيئا لوقفهم.”
وفي رده على المشككين والمتشككين في شن تركيا لعمل عسكري، قال أردوغان، في معرض إرساله رسالة واضحة إلى الأكراد في الأسبوع الماضي: “على الرغم ممن يقف إلى جانبكم (في إشارة إلى الولايات المتحدة)، يجب أن تعرفوا أن تركيا لن تترككم في شمال سوريا”.
ترك برس