بعد أربع سنوات من استنزاف الحرب للكوادر السورية في المجالات العلمية المختلفة، واستهداف البنية التحتية لمعظم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، باتت هذه المناطق بحاجة ماسة إلى كوادر شابة جديدة ومتعلمة تساهم في إعادة بناء ما دمّر. هذه الاحتياجات المتزايدة دفعت بعدد من الأكاديميين والهيئات الإغاثية لتأسيس جامعات ومعاهد محليّة، لتأهيل كوادر جديدة في مجالات مختلفة، اعتماداً على الخبرات الأكاديمية التي ما زالت موجودة وعبر دعم مادي محدود. جامعة “الشام العالمية” واحدة من هذه الجامعات التي تم تأسيسها في ريف حلب بالتعاون مع “هيئة الإغاثة التركية”.
في بضع قاعات مسبقة الصنع تم وضعها في إحدى المناطق النائية في ريف حلب، انطلق الفصل الدراسي الأول في الجامعة، في مارس/آذار الماضي بقوام 350 طالباً، جميعهم من الذكور، في عدّة كليات وهي إدارة الأعمال والاقتصاد، والهندسة المعلوماتية والمدنية والفيزيائية والكيميائية، وكليتي الشريعة والعلوم السياسية. ويتم التدريس في الجامعة باللغة العربية بشكل أساسي مع اعتماد مادتي اللغة الانكليزية واللغة التركية كمادتين أساسيتين في جميع الاختصاصات.
وبحسب إدارة الجامعة، يتم قبول الطلاب وفقاً لمفاضلة عامة تعلن عنها الجامعة بين الحاصلين على الشهادة الثانوية، بفروعها العلمي والأدبي والشرعي والتجاري من قبل المؤسسات التعليمية التابعة للنظام أو الإئتلاف. وتقبل الجامعة حتى اليوم الطلاب المستجدين، ويتوقع أن تفتح باب الإكمال للطلاب المنقطعين عن دراستهم الجامعية خلال السنوات القادمة.
يوضح رئيس الجامعة، محمد أحمد الطعان، لـ”العربي الجديد”، أن “انتقاء الاختصاصات تمّ وفقاً للحاجة الماسة في المناطق المحرّرة لتتم الاستفادة من الخريجين في ميدان العمل، بعد أن غادرت الكثير من الكفاءات السورية البلاد”، معرباً عن نيّة الجامعة إضافة اختصاصات جديدة، وافتتاح كليات الطب والتمريض والتربية.
يعزو الطعان سبب اقتصار الدراسة على الذكور “لعدم وجود استعدادات أمنية لاستقبال الإناث، وعدم وجود قدرات مادية، لأن استيعاب الطالبات يحتاج إمكانات أكبر بسبب حالة الحرب والاستنفار الدائم وتقطع الطرق”.
وكانت إدارة الجامعة قد افتتحت في يوليو/تموز الماضي مسكناً جامعياً ملحقاً بالجامعة للطلاب، الذين يرغبون في الإقامة فيه. وتأتي أهمية هذه الخطوة بسبب صعوبة تنقل الطلاب بين الجامعة ومسكنهم الأصلي في المدن والقرى السورية بسبب ظروف القصف وانقطاع العديد من الطرق.
ويشير الطعان إلى أن “الرسوم الجامعية تقتصر على 50 دولاراً لكل فصل، في الوقت الذي يحصل فيه الطلاب على منحة شهرية قدرها 100 ليرة تركية (نحو 34 دولاراً) للأعزب، و150 ليرة تركية (نحو 51 دولاراً) للمتزوج، إضافة للسكن والطعام المجاني.
وكحال العديد من المشاريع التعليمية في مناطق المعارضة، تعاني إدارة الجامعة اليوم من نقص الكوادر التعليمية فيها، وصعوبة تنقل بعض الأكاديميين المقيمين في تركيا بسبب إغلاق الحدود. وتعتمد الجامعة على عدد من الأكاديميين والمعيدين السابقين في الجامعات السورية.
يقول الطعان إن “أغلب الكوادر التدريسية هم من الحاصلين على شهادات الدكتوراه من جامعات دولية وعربية عريقة، وهم من أبناء سورية ومعظمهم كان مدرّساً في الجامعات السورية لعدة سنوات وانشق عن النظام والتحق بالثورة”. يضيف: “ينظر الأساتذة العاملون في الجامعة اليوم إلى هذه التجربة بأنها مهمة جداً، خاصة أنها تقام على الأراضي المحرّرة بعد أن قام النظام باحتكار التعليم بشكل عام لحسابه، ومعاقبة كل معارضيه حتى في حرمانهم من التعليم بعد أن زجّ بآلاف الطلاب والمدرسين في سجونه”.
من جهته، يقول الطالب محمد، وهو أحد ابناء مدينة حلب، إن التحاقه بالجامعة أعاد له الأمل بمستقبله من جديد. يشرح: “درست الثانوية العامة على أمل أن ألتحق بإحدى الجامعات التركية، لكن الحدود مغلقة. حين افتتحت الجامعة سارعت للتسجيل فيها خاصة أنها تحتوي على فرع الهندسة التي لطالما حلمت بدراستها”.
وحول الاعتراف بالشهادة الممنوحة، يوضح الطعان أن “إدارة الجامعة تقوم بالتواصل مع جامعات تركية وعربية من أجل توقيع اتفاقيات توأمة والحصول على اعتراف، علماً بأن الاعتراف عادة يأتي مع تخريج أول دفعة من الجامعة بعد أن تحقق الجامعة المعايير العالمية من حسن اختيار المناهج والكادر وساعات التدريس والخطط الدراسية”، معتبراً أن “الاعتراف ليس إلا تحصيل حاصل بعد أن وضعت الجامعة جميع تلك المعايير في الحسبان”.
العربي الجديد