مريم أحمد
الاعتقال التعسفيّ والابتزاز على الحواجز الأمنية وارتفاع الأسعار والتكاليف الباهظة للدراسة؛ حملت الكثيرين على العزوف عن الجامعات التي تسيطر عليها فروع الأمن. ما دفع الشهيد مضر حمدون، المحافظ السابق لإدلب الحرّة، وعدداً من الأكاديميين إلى أن يدقوا ناقوس الخطر ويسارعوا إلى افتتاح جامعة إدلب لتعيد الأمل للكثيرين ممن حرموا من إكمال تعليمهم ليس فقط في محافظة إدلب بل في كلّ المدن والبلدات السورية.
وائل شابٌّ من ريف حماة، اضطرّ إلى أن يترك الدراسة بعد أن اعتقلته قوّات النظام وهو في طريقه إلى كلية الآداب بجامعة حلب في بداية عام 2013. مضت على تركه الجامعة ثلاث سنواتٍ، ولذلك كان من السبّاقين إلى التسجيل في جامعة إدلب فور الإعلان عن افتتاحها. يقول وائل: “افتتاح الجامعة أعاد لي الأمل، بعد أن كدت أحزم أمتعتي وأركب البحر لأبحث عن مكانٍ أكمل فيه دراستي”.
تعدّ جامعة إدلب الأولى في المناطق المحرّرة. وقد أعادت إدارة المدينة فتحها وترميم كادرها التدريسيّ بعد أن استهدفها النظام أكثر من مرّةٍ ليجبر القائمين عليها على إغلاقها. وعن ذلك حدّثنا رئيس الجامعة الدكتور ياسر اليوسف قائلاً: “قمنا بتشكيل نواةٍ مصغّرةٍ أطلقنا عليها اسم (إدارة جامعة إدلب المؤقتة) تألفت من 40 أكاديمياً وموظفاً، وكانت مهمتها إجراء سبرٍ للأشياء الهامة الموجودة في الجامعة بعد أن تمّ الاتفاق على إعادة تفعيلها، وخاصّة بعد الإلحاح الذي وجدناه من إدارة المدينة والأهالي والطلاب على ضرورة الافتتاح لاستيعاب الطلاب الجدد وأولئك المنقطعين عن جامعاتهم”.
بدأ العمل بتحديد إدارة الجامعة 6 مراكز لتقديم طلبات المفاضلة في كلٍّ من مدينة إدلب ومعرّة النعمان ومعارة النعسان وسرمدا والبارة ودركوش. وتمّ افتتاح 14 كلية، واستحدث عددٌ من المعاهد المتوسطة وفروعٌ من الكليات السابقة. كما تمّ افتتاح عددٍ من الفروع التي لم تكن موجودةً في هذه الجامعة، من شأنها أن تخدم فئةً كبيرةً من الطلبة وتخدم المجتمع أيضاً، مثل كلية الصيدلة ومعاهد الميكانيك والتخدير والقبالة. وبذلك تكون الجامعة قد غطّت احتياجات أكثر من 4 آلاف طالب، وتعاقدت مع 52 أكاديمياً من مختلف الاختصاصات. وهناك مساع كبيرةٌ لحصولها على اعترافٍ دوليّ. وبالرغم من كلّ تلك الجهود يرى رئيس الجامعة الدكتور اليوسف أنها تحتاج إلى افتتاح كلياتٍ متقدمةٍ للفرع العلميّ، مثل الطب البشريّ وبعض اختصاصات الهندسة، وبعض الأفرع الأدبية، لكن التكلفة المادية الباهظة تحول دون تحقيق ذلك.
ولم يخلُ هذا الجهد الكبير الذي قام به كادر الجامعة من المعوّقات، والتي تمثلت في الحاجة إلى تأمين الدعم الماديّ لتغطية نفقات الجامعة ومستلزماتها ورواتب الأكاديميين والإداريين العاملين فيها، وهذا كان العائق الأكبر أمام افتتاح كلية الطب بشكلٍ خاصّ، لأنها تتطلب نفقاتٍ ماديةً كبيرةً وتجهيزاتٍ مخبريةً ومواد باهظة الثمن. وعن ذلك حدثنا عميد كلية الصيدلة، الدكتور أحمد أبو حجر، قائلاً: “من أهم المشاكل التي واجهتنا تأمين أماكن للمخابر، وعدم وجود مبانٍ كافيةٍ للفصل بين الذكور والاناث، وعدم وجود وسائل الإنارة الكافية، والتدفئة؛ ما اضطرّنا إلى فرض رسمٍ سنويٍّ قدره 250 دولاراً على الطالب العامّ و350 دولاراً على طالب الموازي، ريثما يتم تأمين جهةٍ داعمةٍ ويتمّ إعفاء الطالب من الرسم”.
ومن العقبات الأخرى تدخل بعض الفصائل في سير العملية التعليمية، وخاصةً في موضوع فصل الإناث عن الذكور. قال الدكتور: “كانت العقبة الأكبر عندما طلبت منا جبهة النصرة فصل الذكور عن الإناث؛ ما أدّى إلى اكتظاظ القاعات بالطلبة، وضغط الدوام، وبقاء الطلبة حتى وقتٍ متأخرٍ من النهار في ظلّ افتقار القاعات إلى وسائل الإنارة ليلاً، وضياع حقّ الطالب في نيل الوقت الكافي من التعليم، فبدل أن يداوم في الكلية 5 أيامٍ أصبح يداوم 3 فقط، بسبب تخصيص أيامٍ للذكور وأخرى للإناث. ونعمل على إيجاد مبانٍ تستوعب أعداد الطلبة من الجنسين خلال الفترة القادمة”.
كانت جامعة إدلب هي الأولى ولكنها لن تكون الأخيرة، فقد قامت وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة بافتتاح جامعةٍ في ريف حلب الشماليّ مؤخراً، لتسهم الجامعتان في ترميم الهوّة الكبيرة التي أحدثتها الحرب في العملية التعليمية، وفي إعداد كوادر قادرةٍ على المشاركة بفاعليةٍ في بناء سورية المستقبل.