قد يعد مرور العالم بجائحة عالمية فرصةً نادرةً للعلماء لدراسة النفس البشرية وتفاعلها مع البيئة والمحيط في مختلف الظروف, لذا وجه العديد من العلماء أبحاثهم إلى Covid-19. باستخدام نظرية الألعاب.
صاغ الباحثون طريقتين لتحديد أولويات اللقاحات لمعرفة أيها ينقذ المزيد من الأرواح, حسب مقال نشرته صحيفة النيويورك تايمز.
أمادهور أناند عالمة البيئة, وزوجها كريس باوش عالم الأحياء الرياضي, في أونتاريو كندا, وجدو فرصة خلال الحظر لمشاهدة انتشار الوباء ومناقشة أنماط السلوك في المجتمع بينما حاولنا جميعًا الحفاظ على سلامتنا والاستمرار. الدكتورة أناند هي مديرة معهد جيلف الجديد لأبحاث البيئة في جامعة جيلف, ويدير الدكتور باوش مختبرًا في جامعة واترلو.
يركز البحث التعاوني للزوجين عادةً على التفاعل بين السلوك البشري وأنظمة البيئة, على سبيل المثال, التلوث وإزالة الغابات وتغير المناخ, وبينما تتكشف هذه الديناميكيات ببطء قدم الوباء مثالًا حادًا على التغيير السريع. قالت الدكتورة أناند أن التغيير المجتمعي ليس من النوع الذي يمكنك تجربته بسهولة, “لكننا كنا هنا في منتصف تجربة اجتماعية ضخمة.”
مع استمرار دراسات الأمراض المعدية كانت منهجيتهم غير نمطية إلى حد ما لأنها طبقت نظرية الألعاب, وهي طريقة رياضية لنمذجة كيفية اتخاذ الناس قرارات استراتيجية داخل المجموعة. كل فرد لديه خيارات, لكن المكافأة لكل اختيار تعتمد على الاختيارات التي يتخذها الآخرون. هذا ما يسمى “لعبة معضلة السجين”, يقارن اللاعبون التعاون مقابل الخيانة, وغالبًا ما ينتج عن ذلك نتيجة أقل من مثالية للصالح العام. الوباء يمثل تعقيدًا يوميًا لمثل هذه الخيارات,كما قال الدكتور باوخ, إذا اتبع الجميع توصيات الصحة العامة: كانوا يرتدون أقنعة, متباعدون اجتماعيًا, يغسلون أيديهم, ويتبعون أوامر البقاء في المنزل يكون هناك انخفاض ملحوظ في خطر الإصابة, ولكن هناك دائمًا مفاضلات وإغراءات للابتعاد عن النظام. الأقنعة مزعجة, غسل اليدين ممل, كنت في حاجة إلى عناق وما إلى ذلك.
يضيف اللقاح طبقة واقية أخرى, غالبًا ما يتم التعبير عن الإيجابيات والسلبيات المتصورة للتطعيم على أنها مخاوف بشأن السلامة والآثار الجانبية للقاح.
إذا كنت على الحياد بشأن التطعيم فقد تقرر بعد ملاحظة معدلات الإصابة المنخفضة مع زيادة سرعة حملات التطعيم، أنه لم يعد من الضروري الحصول على اللقاح.
قال الدكتور باوخ: “قد يلعب بعض الأشخاص لعبة الانتظار والترقّب “, الأشخاص الذين يختارون عدم التطعيم بشكل فعّال يحصلون على امتيازات مجانية ويحصدون فوائد تقليل انتقال الفيروس الناتج عن الأشخاص الذين يختارون التطعيم. لكن الامتيازات المجانية تؤدي إلى تهديد جماعي. قال الدكتور باوخ: هذه هي معضلة السجين, عندما تكون مستويات العدوى منخفضة يشعر الناس بخطر أقل ويقللون من حذرهم, ثم ترتفع مستويات العدوى مرة أخرى, المد والجزر بين سلوكنا والفيروس يسبب موجات الوباء. قال: “ينتهي بنا الأمر في هذه الوسط التعيس”
مأساة العموم
قام الدكتور باوخ بعمل رائد يجمع بين نظرية الألعاب والنمذجة الوبائية مع زملائه وبينهم أليسون جالفاني, عالمة الأوبئة ومديرة مركز ييل لنمذجة وتحليل الأمراض المعدية, قالت الدكتورة جالفاني في رسالة بالبريد الإلكتروني: “قرارات التطعيم المبنية فقط على المصلحة الشخصية يمكن أن تؤدي إلى تغطية التطعيم أقل مما هو الأمثل للمجتمع ككل”. تسمى استراتيجية المصلحة الذاتية التي تعظم العائد الفردي “توازن ناش”. تضمنت أبحاث الدكتورة جالفاني بيانات نفسية, تثبت أن قرارات التطعيم يمكن أن تتأثر بالإيثار, وبالتالي تعزيز المكاسب إلى ما بعد توازن ناش وبالتالي خدمة الصالح العام. لكن اللعبة تفترض أن الناس عقلانيون في اتخاذ قراراتهم, كما قالت الدكتورة جالفاني أن الخوف يمكن أن يوقف التطعيم إلى مستويات محفوفة بالمخاطر غير كافية لمنع انتشار تفشي المرض.
أظهر تحقيق أجري عام 2019 باستخدام نظرية الألعاب لدراسة التطعيم أن التردد في تلقي اللقاح يمكن تفسيره بآلية حسابية تسمى “التلاكؤ”, يحدث التباطؤ عندما تستمر تأثيرات القوة حتى بعد إزالة القوة, حيث تتأخر الاستجابة. مثلما لا تزال تتشبث مقاطع الورق المعرضة لمجال مغناطيسي ببعضها البعض بعد إيقاف تشغيل الحقل؛ أو كما يمكن أن تظل معدلات البطالة مرتفعة حتى في ظل الانتعاش الاقتصادي, وبالمثل, حتى بعد اعتبار اللقاح آمنًا وفعالًا, تظل معدلات التجاوب منخفضة غالبًا.
قالت شينغرو تشين طالبة دكتوراه في الرياضيات بكلية دارتموث والمؤلفة المشاركة في البحث, مع مستشارها فنغ فو عالم الرياضيات, “إن تأثير التباطؤ يجعل السكان في حالة هستيرية أو حساسة للمخاطر المتصورة للقاح, حيث يتلخص الأمر في مشكلة أساسية تُعرف باسم “مأساة العموم”, التي تعني اختلال في التوافق بين المصالح الفردية والمصالح المجتمعية”. وقالت إنه للتغلب على تأثير التلاكؤ يجب الترويج للقاح باعتباره فعل إيثار أو مساهمة شخصية للفرد في هزيمة الوباء.
جرعة من “الواقعية”
يمكن أن تعمل اللقاحات بطريقتين: “الحماية المباشرة” حيث تحمي الأشخاص الذين يتم تطعيمهم كالأشخاص المعرضون لمخاطر عالية مثل الرعاية الصحية والعاملين الأساسيين والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية معينة وكبار السن. أو “الحماية غير المباشرة” حيث تحمي مخالطي الأشخاص الذين يتم تطعيمهم؛ يتم حماية السكان المعرضين لمخاطر عالية من خلال تطعيم الأفراد الأكثر عرضة لنقل الفيروس, مثل الشباب, حتى لو كانوا هم أنفسهم أقل عرضة للإصابة بالمرض.
أجرى الباحثون في البداية تجربة, وقارنوها بالجدول الزمني لموجات الوباء حتى الآن من آذار إلى تشرين الثاني, فعكست النتائج واقعنا السلوكي بدقة كما رأوا: مع زيادة حالات Covid-19 في الربيع انخفض الوقت الذي يقضيه الأشخاص في أماكن البيع والاستجمام وأماكن العمل, خلال فترة الصيف تراجعت أعداد الإصابات ببطء وليس بشكل مفاجئ ، مما يشير إلى أنه عندما رأى الناس الانخفاض خففوا حذرهم. قال الدكتور باوخ إن هذا يوضح “أنه يمكنك نمذجة سلوك البشر باستخدام نماذج بسيطة” ثم قام الباحثون بتطبيق نموذجهم لمعرفة ما ينتظرنا في المستقبل.
وجد النموذج أنه إذا توفرت اللقاحات في وقت مبكر من الوباء, على سبيل المثال من كانون الثاني إلى آذار 2021 (مع تلقيح 2.5٪ من السكان أسبوعيًا), فإن الحماية المباشرة ستمنع المزيد من الوفيات. ولكن إذا لم تكن اللقاحات متاحة حتى وقت لاحق, على سبيل المثال من تموز إلى أيلول , حيث يكون هناك المزيد من المناعة الطبيعية بحلول ذلك الوقت, فإن الحماية غير المباشرة ستكون أكثر فعالية في تقليل الوفيات.
لكن بالطبع هناك قيود على تنبؤات النموذج وبعض الشروط.
ولعل الأهم من ذلك, تفترض الدراسة أن لقاحات Covid-19 لا تمنع المرض فحسب بل تمنع انتقاله أيضًا, وهذا لا يزال مجهولًا.
قال السيد Jentsch إن دمج نظرية الألعاب يضخ جرعة مثيرة من “الواقعية”. إنه يوضح كيف يستجيب الناس للتقلبات اليومية, وكيف تصنع أفعالنا بدورها الفرق, جيش من المظلات لن يغير الطقس لكن التطعيم يمكن أن يكون قوة في دحر فيروس كورونا.
حملات التطعيم الجارية الآن في كندا والولايات المتحدة تتبع نهج الحماية المباشرة. قال الدكتور باوخ، لأن الفيروس أكثر انتشارًا جنوب الحدود المشتركة, فإن أفضل وقت للتحول إلى الحماية غير المباشرة قد يحدث قريبًا في الولايات المتحدة. وأشار أيضًا إلى أن الحماية غير المباشرة يمكن أن تكون طريقًا مفيدًا للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل التي لن تحصل على اللقاح بمجرد حصول البلدان الغنية عليه.
مقال علمي/ترجمة بيان آغا بتصرف
المركز الصحفي السوري