تعرض دراسة حديثة أجراها علماء الجيولوجيا في جامعة رايس نظرية جديدة لتفسير ظهور تراكيز عالية من الأكسجين في الغلاف الجوي للأرض منذ حوالي 2.5 مليار سنة، وهو ما أطلق عليه “حدث الأكسدة العظيم”، كما أنها تشرح كيمياء الجيولوجيا السطحية التي ترافقت مع ذلك الحدث.
وتنص الدراسة على أن الزيادة العظمى في الأكسجين قد حدثت نتيجة ثوران البراكين الناتج عن نشاط الصفائح التكتونية، وقد نشرت نتائج الدراسة في دورية نيتشر جيوساينس في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
البكتيريا الزرقاء
أشار العلماء منذ فترة طويلة إلى عملية التمثيل الضوئي كمصدر محتمل لزيادة الأكسجين خلال حدث الأكسدة العظيم، وذلك لأن ظهور كائنات حية ضوئية يمكن أن يطلق الأكسجين، لكن هل كانت البكتيريا الزرقاء هي المصدر الأساسي لحدث الأكسدة العظيم؟
لقد وجدت البكتيريا الزرقاء على الأرض قبل 500 مليون سنة، إلا أنها استغرقت وقتا طويلا لتطلق الأكسجين إلى الغلاف الجوي.
وبتحليل محتوى الكربون وجد الفريق أن واحدة من كل مئة ذرة كربون هي النظير الكربوني -13، و99% الأخرى هي نظير الكربون -12 المفضل لدى البكتيريا الزرقاء.
وقد تم توثيق هذه النسبة 1 إلى 99 بشكل جيد في الكربونات التي تشكلت قبل وبعد حدث اللوماجوندي، وهو الحدث الذي تلا حدث الأكسدة العظيم بما يقارب 100 مليون سنة، والذي استمر لمئات عدة من ملايين السنين.
غير أن محتوى نظير الكربون -13 قد وصل إلى 10% آنذاك، مما يفسر وجود مصدر آخر غير البكتيريا الزرقاء.
ساهم كل من البراكين والبكتيريا والنشاط التكتوني في ظهور الأكسجين على الأرض (الجزيرة) |
البراكين وتحرير كربون الوشاح
طرحت الدراسة سيناريو جديدا لتفسير تراكم الأكسجين في الغلاف الجوي للأرض كما يلي: أدت الزيادة الكبيرة في النشاط التكتوني إلى تكوين مئات البراكين التي تسببت في إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الجو، مما تسبب بمناخ دافئ، وزيادة هطول الأمطار، والتي أدت بدورها إلى زيادة عوامل التعرية الجوية، والتحلل الكيميائي للمعادن الصخرية في قارات الأرض القاحلة.
وقد جرفت هذه المعادن لتترسب في المحيطات، مما أسفر عن طفرة في كل من البكتيريا الزرقاء والكربونات، ليتم بعد ذلك إعادة تدوير الكربون العضوي وغير العضوي المترسب في قاع البحر ليعود من جديد إلى الوشاح الأرضي في مناطق التقاء الصفائح المحيطية أسفل القارات.
وهنا يلعب الكربون غير العضوي الموجود في الصخور الكربونية دورا مهما، حيث يطلق من جديد ليعود إلى الغلاف الجوي من خلال البراكين الثائرة نتيجة للحركات التكتونية.
أما الكربون العضوي فقد بقي لملايين السنين مترسبا في عمق طبقة الوشاح ليظهر بعدها كثاني أكسيد الكربون من براكين نشطة في إحدى الجزر مثل هاواي.
دوران الكربون غير العضوي عبر الوشاح بسرعة أكبر من الكربون العضوي (يوريك ألرت) |
دورة اللوماجوندي
ويعرف اللوماجوندي بأنه أقدم وأضخم حدث جيولوجي من حقبة الطلائع القديمة وهي الحقبة الأولى من حقب الدهر السحيق الثلاث وأطولها، وقد امتدت من 2500 إلى 1600 مليون سنة مضت. وتميز هذا الحدث باحتفاظه بنسب عالية من نظائر الكربون سي 13.
منذ حوالي 2.4 مليار سنة زادت كمية البكتيريا الزرقاء، مما استدعى أيضا زيادة تركيز الأكسجين آنذاك، إلا أن زيادة البكتيريا الزرقاء تتوازن مع زيادة الكربونات.
وبالتالي فإن نسبة نظير الكربون -12 إلى نظير الكربون -13 لا تتغير حتى يترسب كل من الكربونات والكربون العضوي الناتج عن البكتيريا الزرقاء في عمق الأرض.
وعندما يحدث ذلك تلعب الكيمياء الجيولوجية دورها، مما يؤدي إلى وجود هذين الشكلين من الكربون في الوشاح لفترات زمنية مختلفة.
ويتم تحرير الكربونات بسهولة مع الصهارة (أو الماغما) ليصل مرة أخرى إلى السطح في فترة قصيرة جدا، وبهذا تبدأ اللوماجوندي عندما يتم إطلاق نظير الكربون-13 من الكربونات على السطح، وتنتهي عندما يعود الكربون العضوي المخصب بنظير الكربون -12 في وقت لاحق إلى عمق الأرض لإعادة توازن النسبة بينهما.
المصدر : الجزيرة