بخطىً بطيئة يجر “أبو سامر” عربته المكللة بأشهى الثمار الموسمية “المشمش” وبحرص المحافظ على النعمة يتلفت يميناً ويساراً يراقب بعيونه الصغيرة حباته خوفاً من أن تسقط على الأرض.
أسفرت موجات القصف المستهدفة للمدينة عن تدمير وحرق سلاسل أشجار المشمش مثلها مثل الكثير من الثمار الأخرى المتضررة من ثنائية الحصار والنار الذي أدى لتشريد مئات المزارعين والأهالي بعد القضاء على مصدر رزقهم، عداك عن ارتفاع تكلفة سحب المياه من الآبار الجوفية الذي أدى لتقليل زراعة الأشجار المتطلبة لسقاية موسمية.
ويقول “أحمد أبي عمر” أحد المزارعين من ريف إدلب، إن قوات النظام حرقت ودمرت الكثير من مزارع الخوخ والمشمش والكرز بحجة القضاء على العناصر المسلحة، وأنهى حديثه بكلمات…”ومنين نأكل ونسترزق احنا؟!”.
تابع الرجل المشتعل رأسه شعيباً جرّ عربته الخشبية باتجاه السوق الشعبي علّه يبيع الثمار قبل أن تشتد حرارة الشمس وخاصة أنه في شهر الصيف تموز.. منادياً على بضاعته بصوت حنون وكلمات تنبه المارين لثمار لطالما ألفت موائدهم..”بلدي يالمشمش.. قمر الدين هالمشمش.. خدو أحمر بشهي قرب ودوق ها لمشمش”.
ويقول جار المزارع “أحمد” ” إنه اضطر إلى بيع مزرعته بثمن بخس ولم يتقاض إلا جزء بسيطا من ثمنها بعد أن فشل المشترى في جمع ثمارها أو نقلها، نظرًا لصعوبة السير عبر طرق غير ممهدة وطلب سيارات النقل أسعار مضاعفة، إضافة إلى أن الثمار وخاصة المشمش تتعرض للتلف السريع في حال التأخر عن تسويقها.
أما زوجة البائع المتجول “أم سامر” فهي تنتظر آخر نهار يوم طويل لتفرز حبات المشمش المهروسة والتي ذبلت بفعل الحرارة، لتصنع أشهى أنواع المربى البلدي وتفتخر به أمام جيرانها بعد أن تضيف له بذور المشمش المحلاة لتزيد نكهة ما تسميه بلهجتها المحلية (المعقود).
تلك الفاكهة ذهبية اللون لها نواة، وهي تشبه الخوخ غير أنها أصغر حجمًا وأنعم قشرة، ويكسو بعض أنواعها احمرار خفيف على أحد جانبيها وغالباً ما تسمى المشمش البلدي. تؤكل ثمارها طازجة أو مُجففة، وقد تُطبخ لعمل المربى والفطائر والحلوى، حيث أخبرتنا الزوجة بكلماتها الممزوجة بحلاوة المشمش عن كيفية صنع ألذ قطر شراب حلو من بذور موجودة داخلها.
أضاف المزارع في حديثنا معه عن ثمرة المشمش المتصدرة موسم القطاف في بستانه قائلاً “تُزرع معظم أشجار المشمش بتطعيم براعمها في جذور أشجار البرقوق أو الخوخ، أو من شتلات مُسْتنبَتة من بذور المشمش. وبعد عام من زراعتها، تُنقل الأشجار من المشتل إلى أرض البستان.
ويتم تقليم أشجار المشمش بدرجة تفوق أغلب مثيلاتها من أشجار الفاكهة التي تحمل ثمارها على غصون ناتئة”.
وبتابع حديثه “للحصول على ثمار كبيرة الحجم يتم تخفيف أو إزالة بعض الثمار التي يبلغ قطرها 2,5 سم تقريبًا. وتُجمع معظم محاصيل المشمش بالأيدي، وإن وجد الجمع الآلي على نطاق ضيق”.
يعود بائعنا البسيط ليتجول في أزقة وحارات مدينته التي اكتظت بالمهجرين من أرياف دمشق وحمص وحلب، يرفع يده تارة إشارة منه لإفشاء السلام وتارة وهي تقدم حبات المشمش مع كلمات تتصف بالحلاوة التي تتنافس مع حلاوة تلك الحبات.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد