أرجأ المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا توجيه الدعوات إلى مفاوضات جنيف بضعة أيام، لكنه بقي متمسكاً بتشكيل «وفد المعارضة السورية» وعدم قبول احتكار «الهيئة التفاوضية العليا» تمثيل المعارضة وسط زيادة التوتر بين «الهيئة» من جهة وفصائل مسلحة شارك في اجتماع آستانة من جهة أخرى على خلفية تمسك الفصائل بغالبية مقاعد الوفد.
وكان دي ميستورا أبلغ مجلس الأمن الأسبوع الماضي أنه في حال لم تشكل «الهيئة التفاوضية» وفداً للمعارضة قبل 8 شباط (فبراير)، فإنه سيوجه الدعوات للشخصيات التي يراها مناسبة و «يشكل» وفد المعارضة بموجب القرار 2254 لعقد مفاوضات مع الوفد الحكومي في جنيف في 20 الشهر الجاري. وحمل هذه المهمة معه إلى واشنطن وطلب دعم وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي ديرك هيرفي.
وبعث مكتب دي ميستورا رسالة إلكترونية أمس، جاء فيها أنه «في ضوء المشاورات الجارية مع الأطراف السورية في شأن تشكيل الوفود في 8 شباط، سيقوم بذلك في الأيام المقبلة»، وأنه «بصرف النظر عن التاريخ الذي سيصدر دعوات يحافظ على نيته عقد المفاوضات في 20 الجاري».
بذلك، باتت «الهيئة» تحت ضغوط من جهات عدة: أولاً، من دي ميستورا الذي يصر على «تشكيل» الوفد على رغم انزعاج «الهيئة» التي اعتبرت في ذلك تجاوزاً لمضمون القرار 2254 الذي لا يخوله «تشكيل» الوفد بل «وضع لمساته» على الوفد، بل أن دي ميستورا أكد أنه في حال لم تشكل «الهيئة» وفداً وازناً وتمثيلياً للمعارضة، سيقوم بذلك كي يكون «وفد المعارضة» وليس «وفد الهيئة». ثانياً، ضغوط تأتي إلى «الهيئة» من حلفائها كي تكون مرنة وتقبل التغييرات الحاصلة داخلياً وخارجياً وانطلاقة مسار آستانة الذي تقوده روسيا وتركيا، حيث يقيم قادة الفصائل و «الائتلاف الوطني السوري». ثالثاً، ضغط الجانب الروسي لـ «إنهاء» حصرية «الهيئة» للمعارضة وتلويح موسكو بـ «قائمة روسية» تضم معارضين من المنصات الأخرى واعتبار «الهيئة» موازية لمجموعات أخرى.
لكن التحدي الأكبر، جاء من داخل المعارضة، إذ إن الفصائل المسلحة التي شاركت في اجتماع آستانة الشهر الماضي، باتت تطالب بأكثر من 51 في المئة من مقاعد وفد المعارضة وترك المقاعد الأخرى لباقي الكتل و «الهيئة»، ما اعتبر رفضاً لاقتراح آخر تضمن أن يضم وفد المعارضة ثلثاً من «الهيئة» و «الائتلاف» وثلثاً من مجموعتي القاهرة وموسكو والمستقلين وشخصيات أخرى مثل الرئيس السابق لـ «الائتلاف» معاذ الخطيب وثلثاً للفصائل المسلحة التي شاركت في آستانة.
وعشية اجتماع قيادة «الهيئة» برئاسة منسقها رياض حجاب في الرياض في الساعات المقبلة، نفى رئيس وفد الفصائل القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش وجود خلافات مع «الهيئة»، قائلاً إن «الأهداف واحدة للوفد العسكري والهيئة». لكن إغراءات موسكو لدى اعترافها بشرعية الفصائل بينها «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» وفصائل إسلامية ومعتدلة أخرى بعد أشهر من اعتبار موسكو هذه الفصائل «تنظيمات إرهابية»، غيرت من حسابات هذه الفصائل ما بات «مصدر قلق» بالنسبة إلى «الهيئة» وكتل سياسية من جهة وقوى سياسية محسوبة على موسكو من جهة أخرى.
وفي حال تم حل موضوع تشكيل وفد المعارضة، يصر دي ميستورا على عقد المفاوضات في 20 الجاري على أمل أن تؤدي «المفاوضات السياسية» بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي تيلرسون في ميونيخ نهاية الأسبوع المقبل إلى توفير غطاء سياسي، باعتبار أن موقف المبعوث الأميركي مايكل راتني من الملف السوري لا يزال قائماً على دينامية وتعليمات وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.
وباعتبار أن الفصائل المسلحة اشترطت تحقيق تقدم في وقف النار وآلية الرقابة ووقف الخروقات خصوصاً في ريف دمشق وغوطتها الشرقية، يأمل فريق دي ميستورا أن يؤدي الاجتماع المقبل لمسؤولين روس وأتراك وإيرانيين في 15 الجاري لإنهاء اتفاق كيفية التعاطي مع خروق وقف النار، إضافة إلى تحقيق تقدم في الملف الإنساني، خصوصاً أن تقديرات فريق المبعوث الدولي أن كانون الثاني (يناير) كان الأسوأ في مجال إيصال المساعدات الإنسانية منذ سنة. إذ قدمت الأمم المتحدة 21 طلباً لدمشق لإيصال مساعدات لحوالى 914 ألف شخص محاصرين، لكن حصلت على موافقة واحدة لإغاثة 40 ألفاً.
خطة دي ميستورا أن تبدأ في 20 الجاري أو بعد يومين أو ثلاثة مفاوضات مباشرة تستمر لأسبوعين بين وفد الحكومة «بعد ضمان موسكو أن يكون الوفد جدياً ويتعاطى مع جميع قضايا القرار 2254» من جهة و «وفد معارض وازن يمثل جميع أطياف المعارضة الفعلية» من جهة ثانية. وقال عضو لجنة مجلس الدوما الروسي لشؤون الدفاع ديمتري سابلين الذي يرأس الوفد البرلماني إلى دمشق بعد لقائه الرئيس بشار الأسد أمس أن دمشق «مستعدة لإجراء مفاوضات مباشرة مع جميع ممثلي المعارضة بما في ذلك المعارضة المسلحة» وأن الأسد «يدعم الجهود الروسية في آستانة ونتائج الاجتماع الأخير للمجموعة المشتركة حول مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في سورية».
لم يقبل دي ميستورا حصرية مناقشة المسودة التي قدمها الجانب الروسي للدستور السوري في جنيف، بل متمسك أن تكون مفاوضات متوازية في 15 يوماً حول البنود الثلاثة في القرار 2254: تشكيل «حكم تمثيلي وغير طائفي» من الحكومة والمعارضة ومجموعات أخرى، دستور جديد لسورية، انتخابات برلمانية ورئاسية. لكن دولاً أخرى حليفة للمعارضة، تدفع حالياً بضرورة «استئناف المفاوضات من حيث توقفت» في نيسان (أبريل) الماضي وإقناع ممثلي الحكومة والمعارضة في الإجابة عن أسئلة جوهرية و «عدم وضع العربة قبل الحصان» باستعجال طرح موضوع الدستور أو الانتخابات قبل مناقشة مسائل أخرى.
وكان دي ميستورا وزع وثيقة في نيسان الماضي، تضمنت نقاط الاتفاق بين الحكومة و «الهيئة» واتفاقهما على «الانتقال السياسي» وطرح 18 سؤالاً تتطلب إجابات بينهما، تتعلق بـ «كيفية ممارسة الحكم للسلطة خلال المرحلة الانتقالية بما ذلك ما يتعلق بالرئاسة والصلاحيات التنفيذية والرقابة على المؤسسات الحكومية والأمنية» علماً أن دي ميستورا لم يعد يتحدث عن «هيئة انتقالية» بل عن تشكيل «حكم تمثيلي» يؤدي إلى توفير بيئة «الانتقال السياسي».
وتتعلق أسئلة أخرى بـوضع «الاستراتيجيات والهيئات المشتركة وآليات التنسيق لمكافحة الإرهاب وضمان حماية حدود سورية وسلامتها الإقليمية»، إضافة إلى «ترتيبات الحكم الانتقالي للإشراف والرقابة على المؤسسات الأمنية ومصالح الاستخبارات خلال المرحلة الانتقالية» و «المعايير اللازمة لإقامة جيش موحد ووطني ومهني ونزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة دمج المجموعات المسلحة» وعناصر أخرى لها علاقة بالمصالحة وإعادة الإعمار والدستور.
في غضون ذلك، تضغط لندن وباريس على مسؤولة الشؤون الخارجية الأوروبية فيدريكا موغيرني لوضع شروط سياسية تتضمن ضمان «الانتقال السياسي وعملية سياسية ذات صدقية» قبل الوفاء بوعود المساهمة في إعادة الإعمار وتقديم وعود بذلك خلال المؤتمر الدولي للمانحين في بروكسيل في 7 نيسان المقبل.
الحياة