استغرب الجزائريون قرار تنحية وزير السياحة والصناعات التقليدية مسعود بن عقون، بعد يومين من تنصيبه في إطار تسمية الحكومة الجديدة، والتبريرات التي أوردها بيان رئاسة الجمهورية، المتعلقة بملف المتابعات القضائية.
وأوضحت مصادر لصحف جزائرية أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة تلقى تقريرا من مصالح الأمن يكشف بأن الوزير المقال مدان في أربع قضايا من بينها واحدة بـ6 سنوات.
وطرحت مسألة التفطن للماضي القضائي للوزير الشاب وإقالته من منصبه بعد ساعات من تسليم واستلام المهام بينه وبين الوزير السابق عبدالوهاب نوري، مسألة الانضباط الأمني في التعاطي مع هذه المسائل، وحتى الاستعجال غير العادي في تشكيل الحكومة الجديدة.
وإذ عرفت التحقيقات الأمنية التي كانت تضطلع بها دائرة التأهيل في جهاز الاستخبارات قبل حله من قبل الرئيس بوتفليقة العام 2015، بجديتها وصرامتها في التعاطي مع الأشخاص المؤهلين لشغل منصب رسمي، أو حتى وظيفة عادية في الأسلاك الأمنية وحتى مراسلي الإعلام الأجنبي، فان تنصيب وإقالة الوزير في ظرف قياسي، أبانت عن فراغ كبير تركه حل جهاز الاستخبارات.
وتساءلت الإعلامية مريم والي، عن سياسة الكيل بمكيالين، في تعاطي السلطة مع مسألة الملف القضائي للمنتسبين لمؤسسات الدولة. وأضافت والي على صفحتها في موقع فيسبوك “كيف لهذه الجدية غير المسبوقة، حتى ولو أضرت بسمعة السلطة، أن يلوح بها في وجه وزير شاب، بينما تغافلت نفس المصالح عن وزراء ومسؤولين سابقين وحاليين في ملفات فساد كبيرة”.
ينتمي الوزير المقال إلى حزب الحركة الشعبية الجزائرية بقيادة الوزير السابق عمارة بن يونس، ولديه 13 مقعدا في البرلمان
وأشارت والي إلى ما عرف في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بفضائح الفساد المالي والسياسي، على غرار مجمع الخليفة وسنواطراك 1 و2، والطريق السيارة شرق غرب، وغيرها من الملفات التي تداولها القضاء المحلي، بعد أسابيع من التداول لتُطوى إلى الأبد.
وينتمي الوزير المثير للجدل، إلى حزب الحركة الشعبية الجزائرية بقيادة الوزير السابق عمارة بن يونس، الحائز على 13 مقعدا في البرلمان الجديد، وخاض استحقاق الانتخابات التشريعية في الرابع من مايو الجاري، بمحافظة باتنة (450 كلم جنوب شرقي العاصمة)، إلا أنه لم يحصد أي مقعد.
وجرت العادة في الحكومات المتعاقبة منذ مجيئ بوتفليقة للسلطة في 1999، أن تقوم الأحزاب السياسية الموالية، باقتراح أو ترشيح أسماء من صفوفها لتقلد مناصب حكومية، بينما يضطلع الرئيس ومحيطه بمهمة منح أنصاره الحقائب التي يفضلها.
وحسب مصدر مسؤول في الحركة الشعبية الجزائرية، فإن الحزب اقترح عدة أسماء لتولي حقائب وزارية، عقب المشاورات السياسية التي أعقبت الانتخابات التشريعية، ومن بين تلك الأسماء بن عقون، ولم تكن على دراية بالمتابعات القضائية.
وأضاف “إن الحركة ستدرس المسألة، ومسار الملف من الهيئات القاعدية إلى غاية القيادة المركزية، وستصدر بيانا رسميا في القريب العاجل بالخصوص”.
وذهب الباحث والأكاديمي الاجتماعي ناصر جابي، إلى أبعد من ذلك، حيث عبّر في منشور على صفحته الشخصية في الفيسبوك، عما أسماه بـ“الخوف على البلاد بعد القرار المسيء لسمعة الدولة، والمنطوي على ممارسات غير عادية في هرم السلطة”.
وقال “لم ينتابني خوف على وضع البلد، كما انتابني اليوم، بعد سماعي إقالة وزير السياحة بعد تعيينه لمدة ساعات. خوف لم أعش ما يشبهه، الا خلال سنوات الإرهاب. ما كان الجزائريون خائفون منه منذ سنوات، لم يعد احتمالا واردا، بل حقيقة مرًة، ماثلة أمام أعينهم”. وأضاف “كيف لا أخاف، وأهم مركز قرار سياسي كالرئاسة، يعرف هذا المستوى من التخبط، لدرجة تعيين وزير لمدة ساعات، ليقدم للرأي العام، كصاحب سوابق خطيرة؟ وكيف لا أخاف وأنأ اسمع أن رئيس الحكومة يقوم بمشاورات لتكوين حكومة، لنكتشف أنه ليس رئيس حكومة معيّن كما يحصل في أيّ نظام سياسي عاقل؟”.
واستقبل رواد شبكات التواصل الاجتماعي، خبر تعيين بن عقون على رأس وزارة السياحة بشيء من الصدمة والاستغراب في أول الأمر، بالنظر للشخصية المغمورة للرجل، وبما أسماه البعض بـ“السيرة المشكوك فيها”.
وأورد البعض السوابق القضائية للوزير المقال، بالأحكام الجزائية الصادرة في حقه، خلال نضاله في الحركة الطلابية الجامعية، واستحواذه على غرفة في الحي الجامعي، رغم عدم أحقيته بها، كونه قضى 17 عاما لنيل شهادة الليسانس، الى جانب فشله في الحصول على مقعد نيابي في محافظته باتنة، خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وأعرب جابي، عن امتعاضه من الملابسات التي شابت تسمية الحكومة الجديدة، بعد الاستغناء المريب عن وجوه وزارية تعتبر من الكفاءات الجديرة بحمل حقائبها الوزارية، على غرار رمطان لعمامرة ونور الدين بوطرفة.
وقال “كيف لا أخاف عندما أرى تعيينات غاية في الغرابة، يثبّت فيها صاحب المستوى الابتدائي في وزارة سيادية، ويبعد منها من قيل لنا لسنوات، إنه مهني وصاحب تجربة وحقق الكثير في قطاعه”.
وأضاف “كيف لا أخاف عندما أسمع أن هناك من أبعد من الوزراة، وهو جالس يفاوض في عاصمة دولية، حول قضايا مصيرية ذات علاقة بأبعاد دولية كالبترول”.
لاصدر:صحيفة العرب