أينما تجولت في أحياء دمشق ومداخلها، فإنك ستصطدم بحواجز النظام السوري، وتتعثر خطواتك بحرف القاف المتعدد اللهجات، إضافة إلى كوب المتة الدال على خلفيتهم أو المنطقة التي جاؤوا منها.
لكن ابتعادك عن تلك الحواجز لا يعني بالمطلق أنك أصبحت في مأمن منهم، فالسيارات التي لا تحمل لوحات أرقام لها مشهد آخر من الرعب، تلاحق المارة كالظل، فيما دراجات نارية ممهورة بشعارات “يا حسين” تغزو شوارعها، وإن أسعفك الحظ ونجوت من الاعتقال على الحواجز، عليك أن تعلم أنك عرضة لـ”التشليح” والسرقة في أي لحظة من قبل العناصر المتجولين في تلك السيارات غير المعرفة أو الدراجات النارية الطائفية.
وعلى مدخل حي الميدان الدمشقي، يروي الناشط أبو كاسم الميداني، لـ”عربي21″، أحد طقوس هذه العمليات وعينة من شهادات الأهالي لما يجري.
يقول أبو كاسم: “ما بعد الساعة الثامنة من مساء كل يوم، تتحول مداخل حي الميدان والأحياء القريبة منه إلى غابة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وإن اضطررت للخروج مشيا على الأقدام في ذاك الوقت فيعني أنك فعليا تنفذ عملية انتحارية بحق نفسك”.
ويضيف: “ما أن تصل إلى مشارف الحي، حتى تسمع صرخات قوية من قبل عناصر النظام السوري الذين يلقمون أسلحتهم بوجهك مباشرة، يطلبون منك البطاقة الشخصية، ودفتر الخدمة الإلزامية، والتأجيل عن الالتحاق بالقوات النظامية، فهذه الثلاثه أصبحت أهم من الأكل ومن الشرب. ومن ثم يقوم المدنيون بإعطاء العنصر ما طلبه، ليطلب منهم هؤلاء اللحاق به إلى مكان تمركز الحاجز. وهناك، بعد التأكد من أنه لا تهم موجهة ضدهم، يسلمهم البطاقات الشخصية والأوراق”.
ويتابع أبو كاسم: “تأتي المرحلة الثانية، عندما يطلب ذاك العنصر المناوب على الحاجز الهواتف المحمولة، والحقائب الخاصة للتفتيش، فإن كان الهاتف من نوع الهواتف الذكية يعني بالمطلق أنك أمام ورطة حقيقية. يدخل عنصر النظام إلى الصور مباشرة، ومن ثم برنامج واتساب، وبعدها يبدأ الرهان حول الجهاز المحمول، وحجة أنه وسيلة للتعامل مع المتآمرين على البلد وقائده، وينتهي التحقيق حوله بجملة: الهاتف مصادر للضرورة الأمنية”.
وأردف أبو كاسم الميداني: “عنصر النظام يلجأ إلى الإكثار من الكلمات التي تحتوي على حرف القاف؛ لأنها تدل على التخويف والترهيب، ولم يعد هذا الحرف مقتصرا على أبناء الساحل فحسب، بل تسمع القاف باللكنة الشامية، أو الحلبية، وغيرهم من العناصر الذين ما زالوا يقاتلون ويوالون النظام السوري”.
ويوضح أبو كاسم أنه في الخطوة الثالثة يأتي دور الحقيبة خلال عملية التفتيش، حيث إن عنصر النظام يأخذها بحجة التدقيق، ولكن الحقيقة هي البحث عن الأموال، حيث يعيدها لصاحبها بعد دقيقة أو أكثر، ولكن دون المال الذي كان بداخلها، وينتهي التحقيق بعبارة: انقلع لنشوف أخرتا معكن”.
ويؤكد الميداني أن مثل هذه الحالات تتكرر يوميا عشرات المرات في مختلف المناطق الدمشقية، مع اختلاف طريقة التنفيذ، ولكن الجهة المنفذة واحدة هم “حماة الوطن”، على حد قوله.
وأكد الناشط الميداني أن هذه الأعمال لا تقتصر على ساعات المساء، انما هي أفعال تدور مع عقارب الساعة، بكافة الأحياء الدمشقية، مع غياب تام للقانون في العاصمة دمشق، حيث إن هؤلاء هم أصحاب كلمة الفصل بشتى المواقف، وهم أسياد دمشق الحاليين.
وأكمل: “إن النازحين من أرياف دمشق إلى العاصمة لهم الحظ الأكثر من عمليات التشليح والسرقة، بحجة أنهم أبناء مناطق تؤوي إرهابيين. أما عندما تستوقف أحدهم السيارات المجهولة أو الدرجات الممهورة بالشعارات الطائفية، فإن الضريبة ستكون أكبر وأوسع، لتصل إلى حد الضرب المبرح، والشتائم اللاأخلاقية، وغيرها الكثير، الأمر الذي يجعل العاصمة تواصل غرقها في مستنقع شريعة الغاب، التي كثرت فيها الذئاب بحجة الوطن وتطبيق القوانين التي لم تعد إلا وسيلة لتحقيق غايات ومآرب شخصية لمن يدعون تطبيقها”، على حد وصفه.
عربي21 – حسام محمد
