يبدو أن المجالس المحلية في منطقة “نبع السلام” شمال شرقي سوريا قد قطعت شوطاً طويلاً في مجال تأمين الخدمات الأساسية لأبناء المنطقة، وتمكنت الإدارات المحلية الناشئة من إعادة الحياة إلى مختلف القطاعات الحيوية في وقت قياسي، والتي تضررت بفعل المعارك في الربع الأخير من العام 2019، ووفرت قطاعات التعليم والصحة والبلديات والأمن والعمل الاجتماعي والأوقاف والرياضة فرص عمل لآلاف الأشخاص، الأمر الذي عجل في تحقيق الاستقرار ولو بشكل جزئي في المنطقة، والتي تحولت من منطقة طاردة للسكان بداية عملية “نبع السلام” إلى منطقة جاذبة لهم مؤخراً.
تشتكي المؤسسات الخدمية في “نبع السلام” من تدخل الفصائل في الشأن المدني، ويحملونها مسؤولية الفوضى الأمنية الحاصلة، ودورها الكبير في عرقلة جهود إعادة الاستقرار إلى المنطقة. كما أن لضعف الإمكانات وقلة الكوادر الإدارية والفنية دور هام في تعثر جهود إعادة الاستقرار.
خطى ثقيلة نحو الاستقرار
تعتبر مدينتا رأس العين في ريف الحسكة الشمالي، وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي الحاضرتين الأهم في منطقة “نبع السلام”، والتي عاشت حالة من الفوضى الأمنية بسبب المعارك التي خاضها الجيشان، التركي والوطني السوري ضد “قوات سوريا الديموقراطية” التي يتزعمها ” ypg”، امتدت الفوضى وحالة عدم الاستقرار في الفترة الواقعة ما بين انطلاق العملية العسكرية في 9تشرين الأول/أكتوبر من العام 2019، حتى أوائل العام 2020.
تواجه الإدارات المحلية في “نبع السلام”، مجموعة من الصعوبات والعراقيل والتي تنعكس سلباً على أدائها الخدمي، وما تزال حالة الاستقرار في المنطقة نسبية إلى حد ما، فالمنطقة تشهد بين الحين والآخر اشتباكات وقصف متبادل مع “قسد” في خطوط التماس الممتدة في محيط منطقتي تل أبيض ورأس العين في الجهات الثلاث، الشرقية والغربية وجهة الجنوب، فالمنطقة شبه محاصرة، وهي على شكل صندوق مفتوح نحو الأعلى على الحدود التركية وتطوقه “قسد” من باقي الجهات.
وفي أحدث التطورات الميدانية، شهدت “نبع السلام”، اشتباكات وقصف متبادل بين المعارضة “قسد”، وكانت أكثر تركيزاً في جبهات رأس العين نهاية شهر نيسان/أبريل، تبعها تبادل للاتهامات بين تركيا و “قسد” حول مسؤولية التصعيد العسكري، وقالت وزارة الدفاع التركية في 28 من نيسان/أبريل، إن عناصر من “وحدات حماية الشعب” الكردية حاولوا التسلل إلى منطقة رأس العين بريف الحسكة، وأطلقوا النار والقذائف الصاروخية، وأوضحت الوزارة أنه جرى تبادل إطلاق نار ضمن نطاق الدفاع المشروع، ما أدى إلى مقتل سبعة عناصر من الوحدات.
تتحمل الفصائل المعارضة مسؤولية كبيرة في الفوضى الأمنية المستمرة في “نبع السلام”، وفرضت حالة التنافس والصراع فيما بين الفصائل حالة من عدم الاستقرار، وساهم ذلك في اختراق المنطقة أمنياً من جانب “قسد” والتي نجحت في تنفيذ عدة عمليات إرهابية مستهدفة الأسواق والتجمعات المدنية بالتفجيرات وعمليات الاغتيال. ويتهم الأهالي مقاتلي الفصائل بالتضييق عليهم، وسوء معاملة عناصر الحواجز الأمنية على الطرق في ريف المنطقة، بالإضافة إلى تقطيع أوصال المنطقة الموزعة لمناطق نفوذ، كل فصيل يسيطر على مجموعة قرى وبلدات وينتشر فيها.
صراع الفصائل
هناك اقتسام غير رسمي لمنطقة “نبع السلام” بين الفصائل المعارضة في “الجيش الوطني”، من المعروف أن “الفيلق الثالث” والذي تتزعمه “الجبهة الشامية” لديه النفوذ الأكبر في منطقة تل أبيض، ويدير بالاشتراك مع المجلس المحلي والحكومة المؤقتة البوابة الحدودية الوحيدة مع تركيا، بينما تنتشر فصائل “الفيلق الثاني” في منطقة رأس العين التي تعتبر منطقة نفوذ لها، ومعها فصائل من “الفيلق الأول”.
لا تختلف صراعات وخلافات الفصائل في “نبع السلام” كثيراً عن صراعاتها المعتادة في منطقتا “درع الفرات” و “غصن الزيتون” في ريف حلب، دافعها الأبرز تقاسم النفوذ على المناطق، ومنافذ التهريب، وكثيراً من اندلعت اشتباكات واقتتال داخلي بين الفصائل في “نبع السلام” وأدت إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المقاتلين.
المواجهات الأحدث بين الفصائل بدأت أواخر نيسان/أبريل الماضي، بين فصيل “أحرار الشرقية” و “الفرقة 20″، وما يزال التوتر قائماً حتى الآن بين مقاتلي الفصيلين في منطقة رأس العين، والسبب الرئيسي للاقتتال بين الفصيلين يرجع إلى التنافس على قطعة أرض أملاك عامة تسيطر عليها “الفرقة 20” لأنها جزء من القطاع الذي ينتشر فيه مقاتلوها، وسبق أن اقتتل الطرفان في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث شهدت مناطق ريف رأس العين الغربي حملة اعتقالات متبادلة بين “أحرار الشرقية” و “الفرقة 20″، إثر تبادل الاتهامات حول المسؤولية عن دخول السيارة المفخخة التي استهدفت بلدة سلوك، وتسببت حينها بمقتل 8 أشخاص بينهم 3 جنود أتراك وقيادي من أحرار الشرقية وآخر من الفرقة 20.
نفوذ الفصائل وسيطرتها على أغلب الحواجز الأمنية في “نبع السلام” أضعف دور قوات الشرطة والأمن العام وشكل عائقاً أمام تنفيذ مسؤولياتها الأمنية، قوات الشرطة انتشرت بداية العام 2020 في “نبع السلام” وأصبح لديها مقار ومفارز أمنية ودوريات، ولكنها حتى الآن لم يتم تمكينها بالشكل المطلوب لكي تطلع بمسؤولياتها. وهو ما جرى حرفيا في مناطق النفوذ التركي الأخرى بداية تأسيس قوات الشرطة التي واجهت تحديات صعبة للغاية أمام النفوذ الواسع للفصائل، في الباب وإعزاز وعفرين مثالاً.
الدعم التركي للمجالس
أعلن في 28 تشرين الأول/أكتوبر عن تشكيل المجلس المحلي في منطقة تل أبيض وهو أول مجلس محلي للمعارضة في المنطقة، تلاه تأسيس مجلس رأس العين المحلي في أوائل شهر تشرين الثاني/نوفمبر، لكن المجالس لم تستلم مهامها فعلياً حتى نهاية العام بعد أن انتهت أعمال الترميم والتجهيز لمقارها الرسمية.
يشبه عمل المجالس المحلية في “نبع السلام” إلى حد كبير عمل المجالس في منطقتا، “درع الفرات” و “غصن الزيتون” في ريف حلب، جميعها تحصل على الجزء الأكبر من الدعم المالي واللوجستي من الحكومة التركية، ويتشابه العمل التنظيمي والإداري في مجالس المناطق الثلاث، وكذلك شكل الإشراف الإداري التركي على عملها، ففي “نبع السلام” تشرف ولاية أورفا جنوبي تركيا على عمل المجالس المحلية في المنطقة باعتبارها تقع قبالتها بشكل مباشر على الجانب الآخر من الحدود، وتقدم الولاية مختلف أنواع الدعم الفني والتقني، وتدير الولاية أيضاَ الملف الأمني في “نبع السلام” بالاشتراك مع قوات الشرطة والأمن الوطني.
مستوى الخدمات
عشرات المدارس في منطقة تل أبيض جرى ترميمها خلال الأشهر القليلة الماضية ودخلت في الخدمة بداية العام 2020، وأعلن مكتب التربية والتعليم أكثر من مرة عن مسابقات تعيين معلمين ومعلمات في مختلف المراحل التعليمية، وأحصى مكتب الشؤون الاجتماعية العائلات الفقيرة والأيتام والأرامل في تل أبيض وريفها وتم إدراجهم ضمن قوائم الدعم الإنساني التي يوفرها المجلس بالتعاون مع منظمات وجمعيات خيرية محلية، وأيضاَ بدعم من إدارة الكوارث والطوارئ التركية افاد (AFAD).
مدير المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لمنطقة تل أبيض، شعبان الأحمد، قال لموقع “تلفزيون سوريا”، أن ” تل أبيض وريفها تشهد تطوراً متسارعاً في مختلف القطاعات الخدمية التي ساهمت في تحسين الظروف المعيشية للسوريين في المنطقة، وحققت نوعاً من الاستقرار النسبي فيها، خلال النصف الثاني من العام 2020 سيكون أداء المجلس المحلي أفضل والخدمات المقدمة ستكون بجودة أعلى”.
وأضاف الأحمد أن “مديرة الاوقاف في تل أبيض أجرت مؤخراً مقابلات لأكثر من 250 متقدم لوظائف مدرس قرآن وخطيب وإمام جامع، وأنهى مكتب الصحة أعمال الصيانة والترميم في المستوصفات الرئيسية في المدينة وقرى ريف تل أبيض، وخصص المجلس مدرستي تل أبيض شرقي وزينب بنت الحسين مركزاً للطوارئ (حجر صحي) لتكون جاهزة لاستقبال أي حالة مصابة بالفيروس كورونا المستجد، وشملت الخدمات المقدمة قطاع البلديات، من حيث النظافة وترميم وتعبيد الطرق، وحملات التلقيح التي أجراها مكتب الثروة الحيوانية بالتعاون مع ولاية أورفا، بالإضافة لعمل المكتب التجاري الذي ينظم عمليات الاستيراد والتصدير من معبر تل أبيض باعتباره المنفذ الوحيد للمنطقة حتى الآن”.
مدير التربية والتعليم في منطقة تل أبيض، ياسر العبد الله، قال لموقع “تلفزيون سوريا” أن ” عدد المدارس التي تم افتتاحها في تل أبيض وريفها حتى الآن بلغ ٢٦٦ مدرسة، والعدد الإجمالي 300 مدرسة، هناك 34 مدرسة ما تزال خارج الخدمة، بعضها يقع في مناطق الاشتباك وأخرى تحتاج إلى ترميم، ومدارس أخرى تشغلها الفصائل والنازحين”.
وأضاف العبد الله أن “قطاع التربية في تل أبيض وظف ١٣٠٠ معلم ومعلمة، وبلغ عدد الطلاب ٢٢٣٥٠ طالب في مختلف المراحل”. وبحسب العبد الله، فقد تم تقسيم المنطقة تربوياً إلى عدة مجمعات، مجمع سلوك، ومجمع تل أبيض، ومجمع ريف عين عيسى” وجرى التنسيق مع جامعة حران التركية وأجري امتحان “اليوس” الأول خلال شهر شباط/فبراير الماضي” وبحسب العبد الله، هناك ٣٠٠ طالب سجلوا لامتحانات الشهادة الثانوية”
مدير المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لمدينة رأس العين، عبد الله الجشعم، قال لموقع “تلفزيون سوريا” أن “المجلس المحلي في رأس العين قد نجح في توفير جزء لا بأس به من الخدمات في وقت قياسي، ويعمل جاهداً على تكثيف الجهود الخدمية لتقديمها بشكل أفضل” وأشار عبد الله إلى أن ” المجلس وفر أكثر من 67 وظيفة في قطاع النظافة في مدينة رأس العين وحدها، كما تم تفعيل كافة الخدمات الصحية في المشفى الوطني في رأس العين بعد الانتهاء من ترميمه مؤخراً، المشفى يقدم خدماته على مدار 24 ساعة، ووفر قطاع الصحة عدد كبير من الوظائف، من عاملين وكوادر إدارية وممرضين وأطباء”
وأوضح عبد الله أن المجلس المحلي ” أنهى عمليات الصيانة وتوصيل التيار الكهربائي في معظم أحياء مدينة رأس العين، ولأكثر من 70 قرية وبلدة في ريفها الغربي والجنوبي، وما يزال العمل جارياً على استكمال توصيل الشبكة في أحياء المدينة وبعض قرى الريف، وشملت عمليات الترميم للمرافق الخدمية تجهيز الفرن الآلي الكبير وإعادة تشغيل عدد من الأفران في الريف، وتمكنت مديرية المياه من تشغيل 9 آبار ارتوازية لتوفير مياه الشرب في مدينة رأس العين، ووفرت المديرية 12 وظيفة جديدة، وفي قطاع التربية والتعليم تم قبول 980 معلم ومعلمة، كما افتتحت اكثر من 114 مدرسة في منطقة رأس العين وبدأت المديرية اعمال الصيانة والترميم لأكثر من 11مدرسة حسب ترتيب اولويات الصيانة”
وأضاف عبد الله أن “المجلس المحلي عين 80 مختاراً لإدارة شؤون قرى منطقة رأس العين، إلى جانب الاهتمام بالقطاع الزراعي في المنطقة المشهورة بالزراعات البعلية، وتم تعيين 14 مختص في المجالي الزراعي لدعم القطاع الإنتاجي المهم” وبحسب عبد الله، فقد افتتح المجلس المحلي مديرية النفوس في رأس العين بداية العام 2020، والتي بدأت في اصدار البطاقات الشخصية الجديدة لتنظيم قيود المدنيين، وتعمل المديرية بمعدل 900بطاقة شخصية يومياً، أما بالنسبة لمديرية الأوقاف فقد بدأت أعمال الصيانة والترميم في ثماني مساجد في مدينة رأس العين، وعينت الأوقاف عدداً من الأشخاص كأئمة للمساجد ومدرسي قرآن ومؤذنين.
وأكد عبد الله، أن “المجلس المحلي قد بدأ بالتحضير لإدارة معبر رأس العين الحدودي مع تركيا، والذي تمت الموافقة على افتتاحه مؤخراً، وقد اختير 20 تاجراً من أبناء المنطقة ليمثلوا المكتب التجاري، والذي سوف يكون على عاتقه تأمين احتياجات المنطقة من السلع والمواد المختلفة”
معبر رأس العين
تستمر عمليات إنشاء معبر رأس العين الحدودي الذي يصل المنطقة بالأراضي التركية في ولاية أورفا، ومن المفترض أن تنتهي أعمال الانشاءات في المعبر التجاري قبل حلول عيد الفطر، وذلك بحسب ما أكد رئيس المجلس المحلي لمدينة رأس العين، مرعي اليوسف، خلال حديثه مع موقع “تلفزيون سوريا”.
وكان مجلس رأس العين قد أعلن في 6نيسان/أبريل، أنه أقر الموقع المؤقت للبوابة التجارية التي تبلغ مساحتها 15 دونماً، وقال المجلس أن لجنة من بلدية أورفا باشرت في إجراءات التخطيط لتحديد الطريق العام والأبنية اللازمة حيث يتوقع افتتاح البوابة بين شهري نيسان وأيار. وقال رئيس مجلس رأس العين، مرعي اليوسف، لموقع “تلفزيون سوريا” أن ” المجلس طلب من الجانب التركي افتتاح معبر تجاري، وقد تمت الاستجابة للطلب، والخطوة الأولى هي فتح الطريق الرئيسي للبوابة الحدودية في حي العبرة شمالي مدينة رأس العين، ومن ثم البدء بإنشاء مباني المعبر، وقد تم توقيع عقود إيجار مع مالكي الأراضي التي سيقام عليها المعبر، وتم دفع الإيجارات لأصحاب الأراضي”
وأوضح اليوسف أن “المعبر الذي سيتم افتتاحه هو معبر مؤقت لسد احتياجات المنطقة إلى حين إنشاء البوابة الحدودية الرئيسية التي تصل رأس العين بالأراضي التركي، والتي ستكون في حي الخرابات شمال شرق المدينة”. وأوضح اليوسف أن “الهدف من افتتاح بوابة حدودية مع تركيا في منطقة رأس العين، هو لتأمين احتياجات المنطقة وتصدير بعض المنتجات الزراعية التي تشتهر بها المنطقة، وإنعاش المنطقة اقتصادياً، والتخلص من الحصار المفروض على المنطقة من قبل قسد وقوات النظام”
وزير المالية والاقتصاد في الحكومة المؤقتة المعارضة، عبد الحكيم المصري، قال لموقع “تلفزيون سوريا” أن ” افتتاح معبر يصل رأس العين بتركيا ضرورة ملحة وسيكون له أثر إيجابي على مختلف القطاعات الاقتصادية في المنطقة” وأضاف الوزير المصري أن ” المسافة بين رأس العين وبوابة تل أبيض الحدودية تزيد عن 120 كيلومتراً، ونقل البضائع التجارية من هناك مكلف جداً ويرفع سعر المواد المستوردة ويزيد التكاليف على التجار والفلاحين، وبالتالي فإن افتتاح المعبر سيقلل من تكاليف النقل ويخفف الازدحام على بوابة تل أبيض”.
نقلا عن: تلفزيون سوريا