تساؤلات حول معنى تعتيم العواصم الغربية على انتهاكات دمشق
“الشرق الأوسط”
في رسالته إلى مجلس الأمن بتاريخ 23 مايو (أيار) الماضي، شدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على نقطتين، الأولى: أن النظام السوري لن ينتهي من تسليم كامل ترسانته الكيماوية للخبراء الدوليين بنهاية يونيو (حزيران) الجاري رغم التمديدات المتلاحقة للمهل الأساسية وأن 92 في المائة من الترسانة سلم، وبالتالي فإن نشاطات الخبراء الدوليين ستستمر بعد نهاية الشهر المذكور. والثاني: «الإعراب عن القلق الشديد» بسبب الاتهامات الخاصة باستخدام غاز الكلور في النزاع. وفي الرسالة نفسها، طلب بان كي مون من «الحكومة السورية ومن كل الأطراف الضالعة في النزاع» التعاون مع «بعثة تقصي الحقائق» التي أرسلها إلى سوريا للتأكد من هذه الاتهامات.
والحال أن هذه البعثة لم تصدر أي تقرير عن مهمتها وليس من المرجح أن شيئا كهذا سيرى النور في الأيام المقبلة لأنها ما زالت في سوريا لتحقق وتدقق. لماذا هذا التمهل؟ هل لأن البعثة لم تحصل بعد على الأدلة والبراهين التي تحتاج إليها أم أن «حياديتها» تدفعها للمماطلة أو حتى غض النظر؟ السؤال مطروح؛ لأنه فيما البعثة «مستمرة في عملها»، فإن الدول الغربية الثلاث المعنية بالدرجة الأولى بالملف السوري، وهي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، توصلت إلى خلاصات مبنية على تحاليل لعينات أخرجت من سوريا وعلى مشاهدات ومقابلات مباشرة ومعلومات استخبارية، تؤكد استخدام قوات النظام السوري لغاز الكلور المحرم استخدامه بموجب اتفاقية منع استخدام الأسلحة الكيماوية التي وقعت عليها الحكومة السورية في 13 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.
غير أن الخبراء المتابعين للملف الكيماوي السوري يؤكدون أن دمشق، حينما كشفت عن ترسانتها الكيماوية البالغة أكثر من ألف طن من الغازات، لم تدخل ضمنها مادة الكلور التي تؤكد التقارير أن قوات النظام تستخدمها حربيا. ونشرت أمس صحيفة «لوموند» الفرنسية المستقلة تحقيقا عن الموضوع يستند إلى خلاصات التقرير الذي توصلت إليه باريس مستندة بالدرجة الأولى إلى العينات التي أخرجت من سوريا وحللت في «مختبر بوشيه» التابع للإدارة العامة للتسلح. وهذا المختبر هو الوحيد المجهز في فرنسا بالمعدات اللازمة للتصديق على النتائج، إذ عمل الخبراء الفرنسيون بمساعدة بريطانية وأميركية. وبحسب الصحيفة المذكورة، فإن السلطات الفرنسية لديها تقرير متكامل منذ 15 يوما يؤكد استخدام النظام لمادة الكلور سلاحا حربيا يصيب بحروق على مستوى العينين ويؤثر على الجهاز التنفسي والصدر ويؤدي إلى ضيق التنفس والاختناق وإلى الوفاة.
وكان وزير الخارجية لوران فابيوس أكد في واشنطن أبريل (نيسان) الماضي، أن النظام السوري لجأ إلى استخدام غاز الكلور «على الأقل لأربع عشرة مرة» منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في مناطق كثيرة في سوريا، إن في محيط دمشق (حرستا، جوبر، داريا) أو في محيط إدلب أو في محافظة حماه.
من جهتها، نشرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» يوم 13 مايو (أيار) الماضي تقريرا موثقا تؤكد فيه استخدام النظام لغاز الكلور بواسطة البراميل المتفجرة التي تلقى من الطائرات لثلاث مرات في كفر زيتا (حماه) وقرب إدلب. ورغم أن غاز الكلور أقل فتكا من غاز السارين الذي استخدمته القوات الحكومية صبيحة 21 أغسطس (آب) في غوطتي دمشق الشرقية والغربية والذي أدى إلى وفاة 1500 شخص، فإن المعاهدات الدولية تحرم استخدامه منذ عشرينات القرن الماضي. وتتساءل الصحيفة المذكورة: «لماذا تسعى العواصم الغربية للتعتيم على التقارير التي بحوزتها والتي تجرم النظام السوري وتبين أنه لا يحترم المعاهدات التي وقع عليها العام الماضي بضغط من روسيا ولتلافي ضربة عسكرية غربية كان يحضر لها؟». الجواب المرجح هو أنها تريد تحاشي الإحراج وتكرار سيناريو العام الماضي أميركيا وبريطانيا وفرنسيا حيث عدت الدول الغربية الثلاث أن لجوء النظام إلى السلاح الكيماوي «تجاوز للخط الأحمر» الذي حدده الرئيس الأميركي باراك أوباما وأنه يتطلب «ردا قويا» من جانب المجتمع الدولي.