أحداث جديدة ومسار جديد تسلكه الحكومة التركية التي تعرضت مؤخرا لعملية انقلاب عسكرية فشلت بعد أن وقفت الغالبية العظمى من أبناء الشعب التركي إلى جانبها, وحمت التجربة الديمقراطية الناجحة في الجمهورية التركية الحديثة.
ولكن المسار التركي الجديد يحمل في جعبته العديد من المنعطفات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية الجديدة والمعبرة عن النظرة المستقبلية للحكومة التركية الحالية التي بات يمثلها رأس الهرم الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وخصوصا بعد سياسة الإقصاء “التنظيف” التي قام بها للعديد من العاملين في كثير من المؤسسات التركية بما فيها المؤسسة العسكرية عقب فشل عملية الانقلاب.
منعطفات مفاجئة لم تحسم الجدل حتى الآن حول مستقبل الدور السياسي التركي الجديد في المنطقة مابين تكهنات تتنبأ بتقارب كبير لتركيا مع روسيا الاتحادية من جهة, ومع الدول الإقليمية الرئيسية في الشرق الأوسط وأنظمتها الحاكمة بما فيها إيران والعراق من جهة أخرى, مما قد ينعكس سلبا على الموقف التركي الثابت والداعم لثورة الشعب السوري المطالبة برحيل نظام بشار الأسد والمنادية بالحرية والديمقراطية, وبين تكهنات أخرى تتنبأ بتقارب سياسي تركي أيضا مع روسيا ودول المنطقة, وابتعاد عن دول حلف الناتو من حيث الرؤية السياسية لمستقبل المنطقة, سيما أن هذه الدول خذلت تركيا في كثير من المواقف الأخيرة لدرجة أظهرت الهشاشة الكبيرة للعلاقة الرابطة بين المحور التركي ومحور الدول الأخرى في حلف الناتو, مع تمسك الدولة التركية ببعض الثوابت التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى رحيل النظام السوري بعد عملية انتقال سياسي بالمعنى الصحيح.
ولكن تبقى الحالة الأوضح هي أن الدولة التركية باتت تدرك أن حالة العزلة الدولية التي فُرِضَت عليها سواء من الحلفاء أو من الجيران انعكست سلبا على الواقع الداخلي التركي الذي أفرز انقلابا عسكريا كان بمثابة الخطر الحقيقي على وحدة تركيا على امتداد رقعة الجمهورية.
لذلك اتجهت الحكومة التركية إلى محاولات جادّة لكسر طوق العزلة عن طريق إعطاء إشارات مبطَّنة برغبتها لإحداث تقارب مع المحور الشرقي نزولا عند المصلحة الداخلية للدولة التركية بالمقام الأول, ولا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي تحاول إنعاشه من جديد عن طريق إبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع الدولة الكبرى روسيا وحليفتها إيران.
التخلي التركي التام عن دعم الثورة السورية يبقى مستبعدا كما يتوقع العديد من المحلِّلين السياسيين بعد التقارب “التركي-الروسي”, إلّا أنهم يتوقعون حدوث تنازلات من قبل تركيا لصالح روسيا تدفع بالعملية السياسية في سورية نحو الأمام بالقدر الذي يحافظ على المصالح الروسية الاسترتيجية في المياه الدافئة “البحر المتوسط” بوجود “الأسد” أو بدونه.
مسار جديد تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو تبعاته, خصوصا بعدما تجاهلوا النداءات من قبل القيادة التركية عندما كانت تعاني من مآزق عديدة تأتي في مقدمتها اتساع “الكانتون” الكردي الانفصالي في شمال سورية والذي تدعمه الولايات المتحدة وتعارضه تركيا.
لا شك أن هذا المسار التركي الجديد ستبدأ معالمه بالوضوح أكثر في الأيام القادمة التالية لزيارة الرئيس التركي”رجب طيب أردوغان” إلى دولة روسيا الاتحادية, وما على السوريين المعنيين بهذا المسار الجديد سوى الانتظار ليعرفوا حقيقة هذه الانعطافة فيما إذا كانت في صالحهم أم أنها ستزيد من عزلة الثورة السورية التي ولدت يتيمة.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود