تتمنى سماح الشامي، وهي سورية تبلغ من العمر 26 عاماً، أنها لم تخطو في طريق اللجوء المجهول، وهي العالقة الآن بين آلاف اللاجئين السوريين (وغيرهم) على الحدود المقدونية، بعد إغلاق السلطات المحلية المعابر بوجههم ومنعهم من متابعة رحلة الموت المريرة التي بدأت من تركيا، وكان من المقرر أن توصلها بصحبة طفلها إلى السويد خلال أيام.
وفي حين تعد “سماح” مجرد حالة من بين آلاف السوريين الذين يعيشون الآن ظروفاً مأساوية بين أعداد أخرى من المهاجرين الأفغان والمغاربة والصوماليين والأريتيريين والعراقيين، وقد حلت بهم الأمور خلال الأيام القليلة السابقة مراحل مزرية، مع رداءة الطقس وارتفاع معدلات المرض في صفوف الأطفال والنساء، كما يصرح M.T، وهو عامل في منظمة تطوعية استطاعت “زيتون” التواصل معه بصعوبة لمتابعة حالة آلاف السوريين المتواجدين هناك.
يقول السيد M.T، الذي رفض الحديث باسمه الكامل: “منذ أكثر من أسبوع وردتنا المعلومات عن ارتفاع معدلات الإصابة بالنزلات الصدرية وحالات الإقياء والإغماء في صفوف المهاجرين العالقين هنا، نحن كمنظمة إنسانية نقوم بما يمكننا فعله، أنا لا أعتقد أن هؤلاء ارتكبوا جريمة من خلال وجودهم هنا، المسؤولية ليست عليهم، بل يسأل عنها البلدان التي عبروا منها، وتم عبر قواتها الأمنية تسهيل وصولهم إلى هذا المكان”.
ويضيف قائلاً: “نتعامل الآن مع حالات وصلت مراحل حرجة، السلطات المقدونية لا تزال تأخذ من المهاجرين موقف سلبي، يوم أمس وصلتنا معلومات عن إغلاق سلوفينينا طريق العبور وقد حذت حذوها صربيا، لسنا متأكدين للآن من ذلك، كون حركة الهجرة بطيئة حالياً عبر تلك الدول، لكن ما أود قوله هو أن حال المهاجرين أصبحت كارثية، والأمر يقع على عاتق الإتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى والصليب الأحمر الدولي، ومن قبلهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ككل، الجميع شركاء بما يحصل لهؤلاء المساكين”.
“سماح” السورية من حمص نفسها، تتحدث عن إصابة طفلها بحالة حادة من النزلة الصدرية، وتقول لـ”زيتون” إنه الآن متواجد في مركز طبي هو عبارة عن خيمة لدى إحدى المنظمات الطبية التي تعمل على الحدود المقدونية، تشكو البرد القارس وطفلها وسوء التعامل من جانب السلطات في تلك الدولة التي أكدت أنها تعرضت فيها للضرب ومجموعة من اللاجئين الآخرين من سوريا، بينهم نساء وأطفال، وتضيف “ركلنا بأرجلهم وضربونا بهراوات كانت معهم، أنا جسمي مليء بالكدمات الأن، وقد رأى الصليب الأحمر هذا ولم يفعلوا شيئاً!!”.
من جانبه، يقول خالد حسيني، وهو شاب سوري من درعا، عابر للطريق نفسه، إن السلطات المقدونية تفرز حالياً اللاجئين السوريين وفق محافظاتهم، في ما قال إنه “محافظات ساخنة” وأخرى “أمنة”، حيث لا يسمح للقادمين من طرطوس واللاذقية ودمشق المدينة بالعبور، وكذلك للمحافظات الشرقية بحجة الخوف من تسرب عناصر من داعش في صفوفهم.
“هناك منظمات محلية وهيئات إنسانية تعمل في قرية أدومين الحدودية، لكن ضغط اللاجئين الهائل وتوافد المزيد منهم يجعل العمل أكثر صعوبة، ونحن نفتقد الدعم والإمداد اللوجستي”، كما يروي العامل في إحدى تلك المنظمات السيد M.T، ويرجع قلة الدعم هناك إلى “عدم اضطلاع الأمم المتحدة بدورها اللازم”.
أيضاً تؤكد خولة حداد، من القصاع بدمشق، أن “السلطات تتعامل مع اللاجئين وكأنهم بهائم” على حد تعبيرها، وتضيف “لا الطعام متوفر ولا الشراب، ولا ظروف الإقامة، إذ يفترش الأطفال والنساء الأرض، هناك نساء حوامل، وأناس معهم مرض مزمن، ماذا يفعل هؤلاء؟ هل كنا على موعد مع القدر لتتكالب علينا أمم الأرض بهذه الطريق؟ إذا كانوا لا يريدون منا أن نأتي.. لماذا سمحوا لنا بالعبور من تركيا وبعدها من اليونان؟! هل تلعب بنا الدول الآن!!؟”.
وفي انتظار فتح الحدود رسمياً والسماح للعالقين في الحدود المقدونية بالوصول إلى الدول الأوروبية، لا زال ناقوس الخطر يدق مع احتمال ارتفاع معدلات المرض، جراء البرد الشديد ونقص الغذاء وظروف الإقامة المهينة للعابرين للحدود، وهو أمر تضعه “زيتون” برسم المنظمات الحقوقية المهتمة والمعنية، وعل رأسها منظمة الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي.