بينما أطالع المقترحات الروسية المتعلقة بسورية، وفي مقدمتها ضرورة إجراء انتخابات برلمانية؛ مثلت أمامي صورةُ الشيخ عدنان العرعور الذي كان نجمَ الفضائيات الدينية، صفا والوصال، في السنتين الأولى والثانية، وربما نصف السنة الثالثة، من عمر الثورة السورية. ارتكب المراقبون الذين هَبُّوا لتقييم هذا الإنسان أخطاءَ بالغةَ الفداحة، فأراد جماعة النظام أن ينفوا عنا، نحن الذين ثرنا على حكم عائلة حافظ الأسد، الصفاتِ المدنيةَ والحضاريةَ والإنسانية، فقالوا إننا عراعرة، نسبة إلى العرعور. وقال الثوار الليبراليون المدنيون الديمقراطيون إنه لا يمثل الثورة، فهو، برأيهم، مجرد شيخ يفكر من خلال محفوظاته الدينية. ولكنَّ هناك جانباً لم ينتبه له أحدٌ؛ هو أن حالته كانت عامرة بما يمكن أن نطلق عليه مصطلح “الكوميديا الإعلامية”. الأنموذج السائد لمشايخ الدين الذين يقدمون برامج تلفزيونية أن يجلس واحدُهم في مواجهة الكاميرا بطريقة جَبهية، ويتكلم بمنتهى الجد والخشوع، وكلما قال جملتين يُتبعُهما بتلاوة الصلوات، والتسبيحات، والاستغفارات. أما الشيخ العرعور فكان في برنامجه لا يثبت ولا يستقر… وعلى الرغم من ارتدائه عباءةَ المشيخة؛ كان يقوم، فجأة، من حالة الجلوس إلى حالة الوقوف، وتقوم معه الأسلاك ولواقط الصوت، وهو يتهدد، ويتوعد، بسبابته.. وكان يضحك، ويعبس، ويمزح، والأهم من هذا وذلك أنه كان يخاطب خصمه، وكأنه جالس قبالته. من ذلك قوله، لبشار الأسد، حينما كان يطرح مشاريعَ إصلاحيةً خنفشارية: تضحك علينا يا بشار؟ وفي إحدى الحلقات، وجه سؤالاً للمذيع، ولدِه حازم العرعور، عن آخر تصريح لبشار الأسد، فقال حازم: يقول إن الشعب السوري غير مهيأ للديمقراطية، فما كان منه إلا أن غضب، ونط وقال له: خسئت. نصل في حديثنا، الآن، إلى فلاديمير بوتين الذي اتضحَ من تصريحه أنه لا يعرف أن أكثر إنسان كان يُجري انتخابات برلمانيةً في العالم هو حافظ الأسد، وأن ابنه قد سار على نهجه، إذ لم يسبق لنا نحن السوريين، خلال السنوات الـ 45 المنصرمة، أن مرّت علينا أربع سنوات، سِمَان أو عجاف، من دون أن تشهد البلادُ انتخابات برلمانية مُطَنْطَنَة، ترافقها الأفراح والليالي الملاح، فتُقْرَعُ الطبول، وتترغل المزامير، وتُعْقَدُ الدبكات، وتلعلع الزغاريد في الشوارع والساحات العامة. وحافظ الأسد، لعلمك، يا بوتين، هو أول مَن أطلق على الانتخابات البرلمانية مصطلح (عرس الديمقراطية)، وهو أول من اخترع (قائمة الجبهة الوطنية الديمقراطية)، وهي القائمة الوحيدة في العالم التي ينجح الأشخاصُ الذين تُدْرَجُ أسماؤهم فيها، كلهم، من دون استثناء، سواء أكانوا أوادمَ أم (سَرْسَريّة)، معروفين من الناس أم مغمورين، يمثلون الشعب أم يناصبونه العداء. وتكون سورية، في الفترة التي تسبق الانتخابات، مثل خلية النحل، فالسادة الذين يرشحون أنفسهم لعضوية مجلس الشعب في المحافظات كانوا يُحَمِّلُون سياراتهم (البيك أب، الوانيت) بالخراف، والسمن العربي، والمؤن المتنوعة، ويذهبون إلى دمشق، ليس من أجل تقديم فروض الطاعة والولاء للأب القائد فقط، بل ولأجل دفع الرشا والأتاوات لأعضاء القيادة القطرية والضباط الكبار في الشُّعَب المخابراتية، ومن ثم إدراج أسمائهم في قوائم الجبهة، وحينما ترد البرقيات المتضمنة أسماء الأشخاص الذين اعتمدتهم القيادة، إلى فروع الحزب، قبل 48 ساعة من موعد الانتخابات، تبدأ الاحتفالات بالنجاح، ولسان حالهم يقول للشعب: هؤلاء هم أعضاء مجلس الشعب، وطز بمن يذهب بعد غد إلى مراكز الاقتراع، وطز بمن لا يذهب عامداً، وطز بمن لا يذهب بسبب ظروفه، فنحن مستعدون للانتخاب نيابة عن الأحياء، والأموات، والرجال، والفتيان، والبالغين والقُصَّر. يعني أنت، يا سيد بوتين، تريد أن تُدخل السرور إلى قلوبنا، بعد نصف مليون قتيل، وعشرة ملايين نازح، ودمار ثلث سورية، فجئت تعدنا بإجراء انتخابات برلمانية؟ تضحك علينا يا بوتين؟ خسئت. –
العربي الجديد – خطيب بدلة