توصلت دراسة جديدة هي الأكبر من نوعها، إلى أن ارتفاع درجة حرارة المناخ أدى إلى تقلص أحجام الطيور في وقت يزداد فيه طول أجنحتها. واعتمدت نتائج الدراسة التي نشرت يوم 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري بدورية “إيكولوجي ليترز”، على تحليل عينة قوامها 70716 طائرا موزعة على 52 نوعا من الطيور.
وكان الباحثون المشاركون في الدراسة من متحف فيلد في شيكاغو، قد جمعوا عينات الطيور على مدار أربعين عاما، وكانت هذه الطيور التي تم تجميعها قد نفقت نتيجة اصطدامها بالمباني في شيكاغو خلال مواسم الهجرة في الربيع والخريف.
وعلى مدى عقود الدراسة الأربعة، لوحظ تضاؤل الأحجام لجميع أنواع الطيور التي تم رصدها، وانخفاض متوسط كتلة الجسم بنسبة 2.6%، وتراجع طول عظام الساقين 2.4%. لكن العرض بين الجناحين زاد بنسبة 1.3%، ربما لتمكين الطيور من قطع أشواط الهجرة الطويلة بأجسامها الأصغر.
متوسط الحرارة والأحجام
أظهرت نتائج الدراسة أن متوسط درجة حرارة الصيف ارتبط بشكل سلبي بحجم جسم الطيور، فقد تم رصد اختلاف غرامين في كتلة جسم الطيور وبضع مليمترات في طول الجناح، وهي تغييرات لا يمكن كشفها بالعين المجردة، في حين تم رصد زيادة في درجات الحرارة في مناطق التكاثر الصيفية للطيور شمال شيكاغو بنحو 1 درجة مئوية على مدار سنوات الدراسة.
تناولت الدراسة عينة من أكثر من 70 ألفا من الطيور (مواقع إلكترونية) |
وتعتبر نتائج الدراسة التي أجرتها جامعة ميشيغان، مهمة لفهم كيفية تكيف الحيوانات مع تغير المناخ، ويقول عالم البيولوجيا بكلية البيئة والاستدامة بجامعة ميشيغان وقائد فريق البحث برايان ويكس “إن الدراسة الجديدة هي أكبر تحليل قائم على العينات لاستجابات حجم الجسم للاحتباس الحراري الأخير، ويظهر الاستجابات الأكثر اتساقا على نطاق واسع لمجموعة متنوعة من الطيور”.
ويضيف ويكس “تبعت فترات الاحترار السريع عن كثب حقا فترات تضاؤل في حجم الجسم”، و”أن تكون قادرا على إظهار هذا النوع من التفاصيل في دراسة مورفولوجية، فهذا أمر فريد من نوعه”. ويؤكد ويكس على ضرورة إضافة هذه التغييرات إلى قائمة التحديات التي تواجه الحياة البرية في عالم سريع الاحترار.
ومن جانبه يقول مدير المجموعات الفخري بمتحف فيلد في شيكاغو ديف ويلارد الذي عكف على القياسات الخاصة بكل الطيور “الكل فعليا يتفق على أن المناخ يزداد دفئا، لكن الأمثلة الدالة على تأثير ذلك على عالم الطبيعة بدأت تخرج للضوء الآن”.
قاعدة برجمان
يقول الباحثون في الدراسة إن النتائج التي تم التوصل إليها والخاصة بتقلص أحجام الطيور في أميركا الشمالية ربما يمكن إثباتها في أماكن مختلفة من العالم، واستشهدوا بظاهرة “قاعدة برجمان” التي تشير إلى أن الأفراد داخل سلالة ما يصبحون أقل حجما في المناطق الأكثر دفئا وأكبر حجما في المناطق الأبرد.
وبهذا الخصوص يقول قائد الدراسة “كان لدينا سبب وجيه لتوقع أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى انخفاض في حجم الجسم بناء على دراسات سابقة. الشيء الذي كان مروعا هو مدى التثبت من الأمر. لقد فوجئت بشكل لا يصدق بأن كل هذه الأنواع تستجيب بطرق مماثلة”.
الاستجابة للتغير المناخي
تعد هجرة الطيور الطويلة واحدة من أكثر الأمور إثارة للإعجاب في مملكة الحيوانات. وقد شكلت الحاجة الملحة للطيران لآلاف الأميال مورفولوجيا الطيور المهاجرة، شكلا وحجما.
إن دراسات استجابات الحيوانات لتغير المناخ غالبا ما تركز على التحولات في النطاق الجغرافي أو على توقيتات هامة مثل الهجرة والولادة. لكن هذه الدراسة تشير إلى أن التشكل الجسدي هو جانب ثالث مهم.
على مدى 4 عقود من الاحترار تقلصت أحجام الطيور وطالت أجنحتها (يوريك ألرت) |
ويقول ويكس إن “حجم الجسم الأصغر يعني إتاحة طاقة أقل للطيور لاستكمال رحلاتها الطويلة، وإن زيادة طول الجناح قد تساعد في تعويض خسائر كتلة الجسم”.
وفي دراسات سابقة أجريت في العام 2014، وجد الباحثون أن الماعز الألبي يتقلص على ما يبدو بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وفي العام نفسه وجدت دراسة أخرى أن السمندل تقلّص بسرعة استجابة لتغير المناخ.
ويخطط الباحثون في الدراسة الحديثة لاختبار هذه الفكرة مجددا في مشروع تابع يستخدمون فيه مرة أخرى مجموعة بيانات متحف فيلد. ويبحثون أيضا في الآلية الكامنة وراء تغيرات حجم وشكل الجسم، وقدرة الفرد على تعديل تطوره استجابة للظروف البيئية المتغيرة.
يقول ويلارد “النتائج في هذه الدراسة تسلط الضوء على مدى أهمية مجموعات البيانات طويلة الأجل لتحديد وتحليل الاتجاهات الناجمة عن التغيرات في بيئتنا، عندما بدأنا في جمع البيانات التي تم تحليلها في هذه الدراسة، كنا نتناول بعض الأسئلة البسيطة حول التغيرات من سنة إلى أخرى ومن موسم إلى آخر، وكانت عبارة تغير المناخ كظاهرة حديثة بالكاد موجودة في الأفق”.
المصدر : الجزيرة