الروبل الروسي في أفضل أحواله بعد أن ارتفع اليوم مقابل الدولار إلى 64 رغم الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة، وسط تخبط بين دول الاتحاد الأوربي في كيفية التعاطي مع المطالب الأمريكية المتزايدة.
رسائل متضاربة ترشح من مواقف وتصريحات الأوربيين في موضوع العقوبات الاقتصادية على روسيا، ففي حين نجد بعض الدول ترفع لواء التشدد في العقوبات كإنكلترة ودول البلطيق، نجد فريقاً آخر يعارض بالعلن أي ضغط اقتصادي على روسيا لأنه في النتيجة سيؤثر سلباً على أوربا، فقد أعلنت المجر اليوم رفضها لحزمة العقوبات السادسة التي ينوي الاتحاد الأوربي فرضها على روسيا، وعلى حد تعبير رئيس وزراء المجر إن العقوبات التي تم فرضها على موسكو تسبب مشاكل في أوروبا أكبر مما تسببه في روسيا.
وبين هذين الموقفين المتناقضين تسبح بقية الدول الأوربية فهي تريد من جانب إظهار الحزم والقوة لروسيا ورفضها احتلال أوكرانيا وبالمقابل هي بأمس الحاجة إلى النفط والغاز الروسي الذي يمدها بالحياة.
ربما أوقع القارة العجوز بهذه المعضلة هي السياسة الأمريكية المتخبطة التي ترسل إشارات متناقضة، فهي دعمت الأوكران بالأسلحة الفتاكة لكنها قدمت ضمانات هامة لروسيا في بداية الحرب، عندما صرح بايدن أنه لن يرسل أي جندي أمريكي إلى أوكرانيا تحت أي ظرف، كما أن حلف “النيتو” رفض بشكل قاطع فرض حظر جوي فوق أوكرانيا خوفاً من أن يؤدي إلى صدام مع روسيا.
هذا الأمر فهمته روسيا بأنه ضمانات غير مكتوبة من طرف الغرب ما دفعها لمزيد من التصعيد واستخدام القوة التدميرية الهائلة، مثلما استخدمتها في سوريا من قبل مع فارق أن السلبية كان هو الموقف المتفق عليه بين الأوربيين والأمريكيين فيما يتعلق بسوريا، مع بعض التنديد الدبلوماسي.
هذه القراءة هي الأكثر تداولاً وقبولاً بين دول المنطقة فالسياسة التركية مثلاً فضلت عدم الانخراط في تحالف مع طرف ضد آخر، ووقفت على شبه الحياد من الحرب مع إدانة إعلامية للغزو وأبقت المضائق مفتوحة في وجه روسيا.
دول الخليج أيضاً التقطت هذه الإشارات وحولت مركز ثقلها من أمريكا وأصبحت تبحث عن حلفاء محليين لتشكيل ما يشبه الحلف بين الدول الإسلامية، فاستقبلت على التوالي رئيس وزراء باكستان الجديد والرئيس التركي مزيلة قطيعة استمرت لسنوات، بعدما تبين لها مقدار الخذلان الأمريكي الذي واجهته في حربها مع الحوثيين وردة الفعل الباردة تجاه قصف مناطق حيوية في السعودية والإمارات.
الأيام حبلى بالمفاجآت التي تعيد رسم الصورة النمطية عن “الحلم” الأمريكي ودور القارة العجوز في صناعة السياسة الدولية بعد فشل روسيا بتحقيق نصر عسكري حاسم، وبالمقابل فشل أمريكا بتحقيق نصر اقتصادي وبحث الدول عن تكتلات محلية تملأ الفراغ بين المتصارعين.
محمد مهنا-مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع