لم يترك عناصر النظام، على اختلاف ميليشياتهم، طريقاً لجني المال إلا ولجؤوا إليها، مستفيدين من الظروف التي تمرّ بها البلاد، ورغم أن هذه الأساليب ارتبطت بشكل خاص بعمليات “التعفيش” المعروفة، والأتاوات على الحواجز، فإن قوات النظام فتحت لنفسها باباً جديداً مؤخراً، يدرّ عليها آلاف الليرات السورية، وهذه المرة تحت عنوان “التصاريح” والموافقات الأمنية التي لم يعُد نقل البضائع من وإلى مدينة حمص ممكناً بدونها.
تبدّل الخيارات
التاجر عمر، وهو أحد تجار مدينة حمص، قال لـ صدى الشام إن نقل البضائع من مدينة حمص إلى قراها إو إلى أية مدينة أخرى من المدن السورية أصبح بحاجة لموافقة أمنية من فرع أمن الدولة، إضافة لتصريح بالنقل من الإدارة المحلية التابعة لحكومة النظام.
وبناءً على التصريح تتم الموافقة على محتويات النقل من بضاعة، بحيث يُسمح بمرورها على حواجز النظام المنتشرة في أرجاء المدينة، أوعلى الطريق إلى مدينة أخرى.
ويؤكد عمر، أن استخراج هذه التصاريح يتطلب من المواطنين والتجار دفع رشاوى للمسؤولين عن هذا الأمر، مشيراً إلى أن ذلك زاد من أعباء وصعوبة العمل التجاري في مدينة حمص، فأصبح نقل البضاعة – التي قد لا يزيد ثمنها عن مئة ألف ليرة سورية- بحاجة لرشوة لعناصر الأمن قد تصل إلى خمسة وعشرين ألف ليرة، وهذا ما جعل من عملية البيع إلى خارج المدينة خاسرة بلا شك، وبالتالي أدى إلى توقف شبه كامل لعمليات التبادل التجاري مع المدن الأخرى، لتصبح البضاعة التي تصنّع في حمص تباع لأهالي المدينة فقط من أجل الحصول على مردود مادي يعود على البائع والتاجر بالربح.
“الترفيق” بصيغة أخرى
بعد أن فتحت هذه التصاريح “عملاً جديداً”، أصبحت هناك مجموعات تتبع للمخابرات الجوية والعسكرية تختص بعمليات نقل البضائع إلى خارج مدينة حمص أو إلى داخلها دون موافقة أو تصريح مقابل مبلغ ماديّ قد يصل إلى مئات آلاف الليرات السورية، وما يميّز عمل هذه المجموعات هو أن التاجر بإمكانه إرسال شاحنات عن طريقها دون أن يتم تفتيشها على حواجز النظام، أو أن يُسلب منها أي شيء، إذ يتعهّد المسؤولون عن تلك المجموعات بحماية البضاعة حتى الوصول إلى مستلمها، ودون أن يجبر على دفع رشاوى هنا وهناك للحصول على تصاريح من الإدارات المحلية وأفرع المخابرات.
وأفاد الناشط يامن الحافظ، بأن معظم تجار المدينة باتوا على “تعامل قوي ودائم مع تلك المجموعات لتيسير تجارتهم داخل المدينة، وخاصة أن هذه المجموعات تملك سلطة مطلقة للتعامل مع أي حاجز من حواجز النظام أو شبيحته، فهم يعملون لحساب كبار ضباط النظام، وهذا ما يدرّ على تلك المجوعات وقياداتهم ملايين الليرات السورية شهرياً”.
أثاث النازحين والطلبة.. أيضاً
استطاع النظام عبر هذه التصاريح التضييق على التجار والأهالي وتقليل خياراتهم عندما يتعلق الأمر بتمرير البضائع على الحواجز والطرقات.
يقول الناشط عامر، الذي يعمل في مجال التوثيق، إن هذه الوسائل كالترفيق وعمليات التشبيح في التجارة تشدد الخناق على المدنيين والطبقات المتوسطة والفقيرة في مدينة حمص وفي سوريا بشكل عام، فالأتاوات التي يتم دفعها لتلك المجموعات تؤدي لرفع أسعار البضائع والسلع والتي يشتريها المواطن بشكل دائم، كالأرز والسكر وصولاً للمفروشات والأدوات المنزلية.
ويضيف أن عمليات نقل أثاث المنازل للنازحين خارج مدينة حمص أونقل مستلزمات المنازل للطلبة خارجها، كالذين يدرسون في مدينة حماة وطرطوس واللاذقية من برادات وغسالات وطاولات، باتت بحاجة لتلك التصاريح، ووصل عمل هذه المجموعات إليها أيضاً، حتى باتت سيارات مجموعات الترفيق مسؤولة عن نقل مختلف البضائع والحاجيات، دون تصاريح وبشكل علني وتحت بند “مجموعات الترفيق” المعروفة لدى النظام.
يشار إلى أن وسائل إعلامية كانت قد تناقلت خبر إلغاء نظام “الترفيق” داخل وخارج حلب في الآونة الأخيرة، مع المطالبة بتعميم القرار.
ووفقاً لهذا النظام كان يتم السماح بمرور الحمولات وحمايتها من عناصر ميليشيات تابعة لنظام الأسد، وفرضت قوات النظام، منذ نحو ستة أشهر، ضرائب ورسوم على السيارات العابرة من مناطق سيطرتها باتجاه مناطق المعارضة، أو حتى العابرة بين محافظتين يسيطر عليهما نظام الأسد، كما يحصل بين مدينتي درعا والسويداء.
ومع الوقت أصبح “الترفيق” في سوريا، مصطلحاً منتشراً، بل ويأتي ضمن تبرير رفع الأسعار من الباعة والتجار، لأنه أضيف إلى التكاليف العامة للسلعة.
صدى الشام