“ليس كل شيء على ما يرام”، تشير هذه العبارة التي أطلقها المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أمس الأربعاء، إلى الموقف الروسي من مفاوضات جنيف المرتقبة في 25 يناير/ كانون الثاني الحالي، خصوصاً أنّ هذا التصريح تزامن مع إعلان “الهيئة العليا للمفاوضات” التابعة للمعارضة السورية أسماء وفد المعارضة المفاوض مع النظام السوري، برئاسة العميد أسعد الزعبي، في خطوة استباقية لجأت إليها المعارضة لإجهاض أي محاولة روسية للتفاهم مع الولايات المتحدة على تغييرات حول طبيعة التفاوض خلال اللقاء الذي عقد أمس بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
وبدا واضحاً أن “الهيئة العليا”، من خلال الأسماء التي اختارتها ومواقفها التي أطلقتها أمس، قد قررت قطع كل الطرق في وجه روسيا الساعية لإفشال المفاوضات، إن من خلال رفض الزج بأسماء تريدها روسيا ضمن الوفد أو من خلال رفض مشاركة هذه الأسماء في جنيف كوفد ثانٍ عن المعارضة، وإجراء محادثات بين وفدَي المعارضة ثم بدء المفاوضات مع النظام السوري بعد ذلك.
ويشير مصدر في الائتلاف السوري لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ اجتماع “الهيئة العليا للمفاوضات” في العاصمة السعودية الرياض، في يومه الثاني، حسم أسماء الوفد المشارك في جنيف، ممثلاً بالعميد أسعد الزعبي رئيساً للوفد، وجورج صبرا نائباً له، ورئيس المكتب السياسي في “جيش الإسلام”، محمد علوش، كبيراً للمفاوضين. ويعد اختيار محمد علوش رداً على اغتيال روسيا لقائد “جيش الإسلام” زهران علوش في غارة جوية في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، بحسب تلميحات المصدر. يضاف إلى هؤلاء، كل من هيثم المالح، ومحمد صبرا، وأحمد الحريري، وفؤاد عليكو، والعقيد عبد الباسط طويل، والمقدم محمد عبود، وسهير أتاسي، وبسمة قضماني، وأليس مفرج، وعبد المجيد حمو، وخلف داهود، ومحمود عطور، ونذير الحكيم. ويلفت مصدر “الائتلاف” إلى “انسحاب الممثل جمال سليمان من تشكيلة الوفد”،
من جهته، يوضح أسعد الزعبي، في تصريحات صحافية عقب اختياره، أنّه “لن يتم التنازل عن أي حق من حقوق السوريين”. ويلفت الزعبي إلى أنّ “الروس تجاوزوا كل حدود اللياقة في سورية، والكرة الآن في ملعب الأمم المتحدة لعقد المفاوضات السورية في موعدها”.
وكان الزعبي، الذي رأس جناح القوة الجوية في الأكاديمية العسكرية العليا في سورية، قد أصبح عقب انشقاقه عن النظام مسؤولاً عن العسكريين السوريين الضباط وصفّ الضباط والأفراد اللاجئين الموجودين في الأردن.
وكانت “الهيئة العليا للمفاوضات” قد أكدت في مؤتمر صحافي في الرياض، أمس الأربعاء، أنّها لن تشارك في جنيف إذا انضم طرف ثالث للمحادثات. واتهم منسق فريق التفاوض، رياض حجاب، روسيا بعرقلة سير المفاوضات، قائلاً إنّ “المعارضة لا يمكن أن تتفاوض بينما يموت السوريون نتيجة الحصار والقصف”. وأشار حجاب إلى أنّ “الهيئة ستطلب من المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، توجيه الدعوة بصورة رسمية ومباشرة إليها”. ولفت المنسّق العام إلى أنّ “التواريخ ليست مقدسة، والمعارضة السورية لن تذهب إلى أية مفاوضات وشعبنا يعاني من القصف والتجويع والحصار”.
على الطرف الآخر، نقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله إن “المحادثات بشأن الأزمة السورية قد تُعقد في موعدها المقرر، أي 25 يناير/ كانون الثاني الحالي”. وبات إجراء المفاوضات في موعدها غير مؤكد، في ظلّ ترجيحات وضغوط روسية ومطالبات المعارضة السورية بإجراءات تتطلب وقتاً طويلاً من الصعب تنفيذها خلال أربعة أيام.
في هذا السياق، يؤكّد الأمين العام لـ”الائتلاف السوري المعارض”، محمد يحيى مكتبي، لـ”العربي الجديد”، أنّ “الضغوط الروسية لجهة الذهاب إلى المفاوضات من دون إجراءات بناء الثقة والتي تضمنتها العديد من القرارات الدولية المتعلقة بالوضع السوري، ومنها فك الحصار عن المناطق المدنية، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، ووقف القصف العشوائي، وإطلاق سراح المعتقلين، وخصوصاً النساء والأطفال، يعرقل المفاوضات”.
ويشير مكتبي إلى أن الضغوط الروسية في “إقحام أسماء ضمن وفد المعارضة متوافقة مع الرؤية الروسية للحل السياسي القائمة على إعادة تأهيل نظام الإجرام في دمشق مقابل حصول تلك المعارضة، إذا صحّت تسميتها معارضة، على فتات ما يسميه النظام حكومة وحدة وطنية”، على حدّ تعبيره. ويؤكد الأمين العام أنّ “الائتلاف لن يقبل تدخّل أي طرف في تشكيل وفد المعارضة. وإذا كانت روسيا تريد ضم تلك الشخصيات إلى المفاوضات، فلتضعها في وفد الرئيس السوري بشار الأسد”.
وحول اختيار علوش كبيراً للمفاوضين، على الرغم من إصرار روسيا على تصنيف “جيش الإسلام” ضمن قائمة “المنظمات الإرهابية” على حد وصفها، يقول عضو “الائتلاف”، سمير نشّار، إنّ “ما حصل، جاء وبشكل غير مباشر رفضاً للتدخل الخارجي في تشكيل وفد المعارضة الذي يعبّر عن أهداف الثورة وللشروط التعجيزية التي تحاول روسيا وضعها أمام موعد انعقاد المفاوضات”. ويوضح نشار لـ”العربي الجديد”، أنّه “إذا كان التأجيل لأسباب تحضير أرضية صلبة لنجاح المفاوضات، فليكنْ.
أما إذا كان السبب لتخفيض مطالب الثورة والمعارضة من حيث تشكيل هيئة حاكمة ذات صلاحيات تنفيذية كاملة بما يعني أنّ الأسد لم يعد له أية صلاحيات، وبالتالي أي دور في المرحلة الانتقالية أو في مستقبل سورية، وهذا ما تحاول روسيا الالتفاف عليه من خلال تفخيخ وفد المعارضة ببعض الشخصيات، فنحن نرفض ذلك”.
وكانت آخر التصريحات الروسية حول تشكيلة وفد المعارضة جاءت على لسان السفير الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، الذي قال إنّ “روسيا متمسكة بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي نصّ على أن المعارضة تأتي من الرياض ومؤتمرات أخرى”. ولفت تشوركين إلى أنّ “التمثيل الواسع لوفد المعارضة سيكون أساسياً”، موضحاً أنّ ذلك يعني “وفداً موحداً واسع التمثيل”.
وتنبع قوة المعارضة السورية الأخيرة من الدعم الإقليمي والدولي، إذ أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بعد لقائه نظيره الفرنسي لوران فابيوس، في الرياض، أمس الأوّل الثلاثاء، أن “المعارضة السورية هي التي تحدد من يمثلها في المباحثات، واللجنة العليا المنبثقة من مؤتمر الرياض هي الجهة المعنية وهم الذين يحددون من يمثلهم في المفاوضات”.
بدوره، شدّد وزير الخارجية الفرنسي فابيوس على ضرورة “احترام نتائج” مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في الرياض، كونه جمع الأطياف الرئيسية في المعارضة، مطالباً دي ميستورا بالاتفاق مع اللجنة العليا المنبثقة عن هذا المؤتمر في ما يخصّ مفاوضات جنيف. كما أكّد فابيوس على أهمية وقف قصف المدنيين ووقف تجويع الناس قبل أية مفاوضات.
العربي الجديد