بيان صحفي (لتحميل التقرير كاملاً في الأسفل):
باريس- قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 193 حالة اعتقال تعسفي/احتجاز قد تم توثيقها في أيلول بينهم 10 أطفال و5 سيدات، مشيرة إلى أن قوات النظام السوري استهدفت بعمليات الاعتقال مدنيين حاولوا مغادرة مناطق سيطرته.
أوضحَ التَّقرير -الذي جاء في 20 صفحة- أنَّ معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتمُّ من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية، ويتعرَّض المعتقل للتَّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه. كما تُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي ويتحوَّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
يعرض التقرير حصيلة عمليات الاعتقال التَّعسفي/ الاحتجاز التي سجلها في أيلول على يد أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سوريا، ويستعرض أبرز الحالات الفردية وحوادث الاعتقال التَّعسفي والاحتجاز، التي وثقها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان في المدة ذاتها، وتوزُّع حالات وحوادث الاعتقال تبعاً لمكان وقوع الحادثة. ولا يشتمل على حالات الخطف التي لم يتمكن من تحديد الجهة التي تقف وراءها.
كما سجَّل التقرير عمليات الاعتقال التعسفي التي تحولت إلى اختفاء قسري، واعتمد في منهجية التوثيق على مرور 20 يوم على حادثة اعتقال الفرد وعدم تمكن عائلته من الحصول على معلومات من السلطات الرسمية حول اعتقاله أو تحديد مكانه، ورفض السلطات التي اعتقلته الاعتراف باحتجازه.
جاء في التقرير أن قوات النظام السوري لم تتوقف عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرتها على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي؛ الأمر الذي يُثبت مجدداً حقيقة أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يشعر بالأمان من الاعتقالات؛ لأنها تتم دون أي ارتكاز للقانون أو قضاء مستقل، وتقوم بها الأجهزة الأمنية بعيداً عن القضاء وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً وبالتالي فإن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري لا يمكن أن تشكِّل ملاذاً آمناً للمقيمين فيها، وهي من باب أولى ليست ملاذاً آمناً لإعادة اللاجئين أو النازحين، وأكَّد التقرير على أنه لن يكون هناك أي استقرار أو أمان في ظلِّ بقاء الأجهزة الأمنية ذاتها، التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية منذ عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن. وقال إن من خلفيات الاعتقال/ الاحتجاز التي سجلها في أيلول، استمرار قوات النظام السوري في ملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية مع النظام السوري، وتركَّزت هذه الاعتقالات في محافظتي ريف دمشق ودرعا. كما سجل عمليات اعتقال قامت بها أفرع الأمن الجنائي في حمص وحلب ودمشق استهدفت مدنيين بينهم طلاب جامعيون بذريعة تواصلهم مع جهات إعلامية خارجية والحديث عن تردي الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة النظام السوري. ورصد التقرير عمليات اعتقال استهدفت عدداً من المدنيين التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وذلك على خلفية إيقاف أنشطتهم التجارية ومحاولتهم مغادرة البلاد، ووجهت إليهم تهم القيام بأعمال من شأنها المساس بهيبة الدولة السورية، وتركزت هذه الاعتقالات في مدينة حلب. ووفقاً للتقرير فقد نفذت قوات النظام السوري عمليات اعتقال استهدفت مدنيين من بينهم أطفال في مدينة دير الزور، وذلك لدى مرورهم على إحدى نقاط التفتيش التابعة لها عند المدخل الجنوبي للمدينة، بينما كانوا في طريقهم من مدينة دير الزور إلى مدينة دمشق. كما رصد عمليات اعتقال استهدفت اللاجئين الفلسطينيين، وذلك من قبل عناصر لواء القدس وهي قوات غير رسمية تابعة للنظام السوري، إثر مداهمة مكان إقامتهم في مخيم النيرب للفلسطينيين بريف محافظة حلب. وأضاف أنه سجل عمليات اعتقال استهدفت مدنيين على خلفية محاولتهم السفر إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، وتركزت هذه الاعتقالات في مدينة دمشق.
على صعيد الإفراجات، رصد التقرير إخلاء النظام السوري سبيل ما لا يقل عن 11 شخصاً من أبناء محافظات ريف دمشق ودرعا ودير الزور، أفرج عنهم من مراكز الاحتجاز التابعة له في محافظة دمشق، وذلك بعد انتهاء أحكامهم التعسفية، وكانوا قد قضوا في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري مدة وسطية تتراوح ما بين عام واحد وثلاثة أعوام ضمن ظروف احتجاز غاية في السوء من ناحية ممارسات التعذيب، وشبه انعدام في الرعاية الصحية والطبية، والاكتظاظ الشديد في مراكز الاحتجاز، وكانوا قد اعتقلوا دون توضيح الأسباب وبدون مذكرة اعتقال.
جاء في التقرير أن قوات سوريا الديمقراطية استمرت في سياسة الاحتجاز التَّعسفي والإخفاء القسري في أيلول، ورصد التقرير ارتفاعاً في حصيلة حالات الاحتجاز والاختفاء القسري لديها، وذلك عبر حملات دهم واعتقال جماعية استهدفت بها مدنيين بذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش، بعض هذه الحملات جرى بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي، كما رصد التقرير عمليات اعتقال استهدفت طلاب ومدرسين وأعضاء في المجلس الملّي للسريان الأرثوذكس، وذلك على خلفية انتقادهم ورفضهم المنهاج التعليمي الذي تفرضه قوات سوريا الديمقراطية في مناطق سيطرتها، كما سجل التقرير عمليات اعتقال استهدفت أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني على خلفية مشاركتهم في مُظاهرة مُناهضة لقوات سوريا الديمقراطية تنتقد الأوضاع المعيشية والخدمية والاعتقالات في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ووفقاً للتقرير فقد اختطفت قوات سوريا الديمقراطية في أيلول أطفالاً بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لها وتجنيدهم قسرياً، ومنعت عائلاتهم من التواصل معهم، ولم تصرح عن مصيرهم.
أما عن هيئة تحرير الشام فقد سجل التقرير عمليات احتجاز قامت بها الهيئة بحق المدنيين، تركَّزت في محافظة إدلب وشملت نشطاء إعلاميين وسياسيين، ومعظم هذه العمليات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها. تمَّت عمليات الاحتجاز بطريقة تعسفية على شكل مداهمات واقتحام وتكسير أبواب المنازل وخلعها، أو عمليات خطف من الطرقات أو عبر نقاط التفتيش المؤقتة، كما رصد التقرير عمليات اعتقال قامت بها عناصر هيئة تحرير الشام في بلدة كفريا بريف إدلب الشمالي، على خلفية خروج مظاهرة مناهضة للحزب الإسلامي التركستاني أمام المحكمة التابعة للحزب التركستاني في بلدة الفوعة، وذلك رداً على إبلاغ الحزب عدداً من النازحين في كفريا بالخروج من منازلهم للاستيلاء عليها من قبله، كما سجل التقرير اعتقال عناصر تابعة للحزب التركستاني مدنيين كهول لرفضهم الخروج من المنازل التي يريد الحزب الاستيلاء عليها.
من جهتها وبحسب التقرير قامت جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني في أيلول بعمليات احتجاز تعسفي وخطف لم تستثنِ النساء، معظمها حدث بشكل جماعي، استهدفت قادمين من مناطق سيطرة النظام السوري، إضافة إلى حالات احتجاز جرت على خلفية عرقية. وتركَّزت في مناطق سيطرتها في محافظة حلب، وحدث معظمها دون وجود إذن قضائي ودون مشاركة جهاز الشرطة وهو الجهة الإدارية المخولة بعمليات الاعتقال والتوقيف عبر القضاء، وبدون توجيه تهمٍ واضحة. وسجل التقرير عملية اختطاف لمدني من قبل عناصر تابعة للفرقة 20 “صقور السنة” وهذه الفرقة هي إحدى تشكيلات الجيش الوطني السوري وقاموا بتعذيبه بطريقة وحشية، بعد تعريته بشكل كامل، وتصوير عملية التعذيب وإجباره على الاعتذار ثم إطلاق سراحه.
سجَّل التقرير في أيلول ما لا يقل عن 193 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 10 أطفال و5 سيدة على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، تحوَّل 154 منهم إلى مختفين قسرياً، النظام السوري اعتقل 87 بينهم 7 طفلاً، و2 سيدة، في حين احتجزت قوات سوريا الديمقراطية 71 بينهم 3 أطفال. وذكر التقرير أن جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني احتجزت 26 مدنياً بينهم 3 سيدة، أما هيئة تحرير الشام فقد احتجزت 9 مدنياً.
واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي في أيلول بحسب المحافظات، حيث كان أكثرها في حلب تلتها دير الزور ثم الحسكة، فدرعا.
ووفقاً للتقرير فإنَّ المعتقلين على خلفية المشاركة في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا، وضمن أي نشاط كان سياسي، حقوقي، إعلامي، إغاثي، ومن يشابههم، فإن الأفرع الأمنية توجِّه إلى الغالبية العظمى من هؤلاء وتنتزع منهم تهماً متعددة تحت الإكراه والترهيب والتعذيب ويتم تدوين ذلك ضمن ضبوط، وتحال هذه الضبوط الأمنية إلى النيابة العامة، ومن ثم يتم تحويل الغالبية منهم إما إلى محكمة الإرهاب أو محكمة الميدان العسكرية. ولا تتحقق في هذه المحاكم أدنى شروط المحاكم العادلة، وهي أقرب إلى فرع عسكري أمني.
اعتبر التقرير أن قضية المعتقلين والمختفين قسراً من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أيُّ تقدم يُذكَر على الرغم من تضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي خطة السيد كوفي عنان، وفي بيان وقف الأعمال العدائية في شباط 2016 وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في كانون الأول 2015 في البند رقم 12، الذي نصَّ على ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين وخصوصاً النساء والأطفال بشكل فوري، ومع ذلك لم يطرأ أيُّ تقدم في ملف المعتقلين في جميع المفاوضات التي رعتها الأطراف الدولية بما يخص النزاع في سوريا، كما لم تتمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة كافة مراكز الاحتجاز بشكل دوري وهذا بحسب التقرير يُشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفِ بأيٍّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمرَّ في توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحوَّل 68.25 % من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
وأشار التقرير إلى أن الأطراف الأخرى (قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام وجميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني) جميعها ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عنه رقم 2042 الصادر بتاريخ 14/ نيسان/ 2012، و2043 الصادر بتاريخ 21/ نيسان/ 2012، و2139 الصادر بتاريخ 22/ شباط/ 2014، والقاضي بوضع حدٍّ للاختفاء القسري.
كما طالب أطراف النزاع والقوى المسيطرة كافة بالتوقف فوراً عن عمليات الاعتقال التَّعسفي والإخفاء القسري، والكشف عن مصير جميع المعتقلين/ المحتجزين والمختفين قسرياً، والسماح لأهلهم بزيارتهم فوراً، وتسليم جثث المعتقلين الذين قتلوا بسبب التعذيب إلى ذويهم.
وأكَّد التقرير على ضرورة تشكيل الأمم المتحدة والأطراف الضامنة لمحادثات أستانا لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتَّقدم في عملية الكشف عن مصير 102 ألف مختفٍ في سوريا، 85 % منهم لدى النظام السوري والبدء الفوري بالضَّغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني، وفي تلك الأثناء لا بُدَّ منَ التَّصريح عن أماكن احتجازهم والسَّماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصَّليب الأحمر بزيارتهم مباشرة.
وشدَّد التقرير على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنِّساء والتَّوقف عن اتخاذ الأُسَر والأصدقاء رهائنَ حرب.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية.