منذ أشهر والأوساط العلمية تردد أن النصر النهائي على «كوفيد – 19» لن يُكتب إلا بظهور اللقاحات الفاعلة وتعميمها على نطاق واسع، وأن مرحلة التعايش مع الوباء ستمتد حتى أواخر العام المقبل حسب أفضل التقديرات.
ونظراً للتداعيات الاقتصادية الهائلة التي تترتب على هذه الجائحة، احتدمت المنافسة بين شركات الأدوية والمختبرات الدولية، مدعومة من الحكومات باستثمارات ضخمة، لتطوير وإنتاج اللقاح الترياق الذي سينقذ العالم من أخطر أزمة صحية واقتصادية مر بها في العصور الحديثة.
ومع اقتراب معظم المشاريع المتقدمة لتطوير اللقاحات من مراحلها النهائية، اندلعت «الحرب التجارية» بين الشركات المنتجة والجهات التي تدعمها، فكان الإعلان الذي صدر الأسبوع الماضي عن شركة «فايزر» الأميركية العملاقة التي تنتج اللقاح الذي طورته شركة «بيونتك» الألمانية الصغيرة بأن فعالية لقاحها تبلغ 90 في المائة، وفقاً للدراسات الأخيرة التي أجرتها، وما لبث أن تبعتها منافستها الرئيسية، الأميركية أيضاً، «مودرنا»، بالإعلان أمس الاثنين أن فعالية اللقاح الذي تطوره تبلغ 94.5 في المائة. وكانت الشركة الروسية التي تطور هي أيضا لقاحاً ضد «كوفيد – 19» قد أعلنت أن فاعليته تتجاوز 90 في المائة، وأن المجر ستبدأ بتوزيعه قريباً على أفراد الطواقم الصحية والأجهزة الأمنية.
وكان من الطبيعي أن تهلل البورصات العالمية لمثل هذه الأنباء، وأن يسود بعض التفاؤل في أوساط الرأي العام الذي يجد صعوبة كبيرة في استشراف نهاية النفق الوبائي المظلم. لكن فيما سارعت منظمة الصحة العالمية إلى التنبيه من أنه لا توجد دولة واحدة في العالم قادرة اليوم على تخزين ونقل وتوزيع هذا النوع من اللقاحات التي تتطلب تجهيزات متطورة للتبريد والمعالجة، حذرت الأوساط العلمية من أن الإعلان عن هذا المستوى المفاجئ وغير المألوف لفاعلية هذه اللقاحات يطرح من الأسئلة أكثر مما يحمل من الإجابات التي تنتظرها الأوساط الطبية والصحية.
يعترف الخبراء بأنهم كانوا ينتظرون مستويات من الفاعلية أدنى بكثير من التي أعلنت عنها الشركات المنتجة في الأيام الماضية، لكنهم يتوقفون بحذر شديد وريبة أمام الإعلان عن هذه النتائج في مجرد بيان صحافي صدر عن الشركات المذكورة، قبل نشر النتائج الكاملة للدراسات، وإخضاعها لمراقبة الخبراء المستقلين، كما هو مألوف في هذه الحالات. ويجمع الخبراء على أنه، استناداً إلى البيانات الضئيلة جداً المتوفرة عن هذه اللقاحات، من المستحيل معرفة ما إذا كانت هي التي ستعيد العالم إلى دورة حياته الطبيعية، وليس من الواضح ما هو المقصود تماماً بمصطلح «فاعلية اللقاح» الذي تحدثت عنه الشركات في إعلانها.
ويقول علماء منظمة الصحة العالمية، إن هذين اللقاحين تم تطويرهما وفقاً لطريقة جديدة كلياً لم يسبق أن تجاوزت الاختبارات النهائية بنجاح. وتقوم هذه الطريقة على استخدام ذرات «NRA»، المعروفة بالذرات الأخرى للحياة، التي تتولى تخزين المعلومات الدائمة في الحمض النووي لكل فرد، وتساعد على تحويلها إلى المواد البروتينية، أي إلى الخلايا التي تمكن الإنسان من التنفس والتحرك والقراءة.
والهدف من هذا النوع من اللقاحات هو إدخال ذرات «NRA» في الجسم وتحويلها إلى مادة بروتينية أساسية تولد المناعة ضد فيروس كورونا، وتقضي عليه إذا حاول الدخول إلى الخلايا. لكن يقول خبراء وبائيون إن التجارب التي أجرتها الشركتان الأميركيتان حتى الآن لم تشمل عدداً كافياً من الأشخاص، فضلاً عن أن التجارب كانت «عمياء» بحيث إن لا الشركة ولا الأطباء الذين يتابعون المتطوعين ولا حتى المشاركين، يعرفون من تناول اللقاح ومن تناول مصل الماء المملح.
يضاف إلى ذلك أن البيانات التي تحدث عنها خبراء الشركتين هي نتيجة تحليل مرحلي لا يعتد به كدليل نهائي على مستوى الفاعلية. ولا تتضمن التصريحات التي صدرت عن الشركتين أي معلومات حول عدد الإصابات بين الذين تلقوا اللقاح وأولئك الذين حقنوا بمصل الماء المالح. ولا تشير البيانات الصحافية التي وزعتها الشركتان إلى نواع العوارض التي ظهرت على المصابين، ولا عن أعمارهم، الأمر الذي يعتبره الأطباء أساسياً لتحديد فاعلية اللقاح الذي من المفترض أن يوفر الحماية للمسنين في الدرجة الأولى.
نقلا عن الشرق الأوسط