مرة أخرى عادت تركيا إلى أجندة البيت الأبيض، وهذه المرة لا يتعلق الأمر بسوريا ولا بتنظيمات إرهابية ولا بالشرق الأوسط كله، فتركيا الآن ورقة جديدة في صراع داخلي ما زال محتدمًا في واشنطن منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة.
فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس 4 آب/ أغسطس الجاري أن فريق التحقيق العامل لدى المستشار القانوني الخاص روبرت مولر طلب من البيت الأبيض تسليمه وثائق مرتبطة بمستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، لاستخدامها في تحقيق استجوب فيه الفريق شهودًا حول شبهة تلقّي فلين مالًا من رجل أعمال تركي في الشهور الأخيرة للانتخابات الرئاسية الأمريكية، على خلفية نشره مقالًا في موقع “ذا هيل” إبان الحملة الانتخابية يدعو فيه الولايات المتحدة إلى تسليم فتح الله غولن لتركيا.
عُيّن المستشار الخاص مولر في أيار/ مايو الماضي من قبل وزارة العدل الأمريكية للنظر في التحقيق بأي “رابط و/ أو تنسيق بين الحكومة الروسية وأفراد مرتبطين بحملة الرئيس دونالد ترامب، والقضايا التي ظهرت أو ربما تظهر مباشرة من التحقيق”.
وحيث أن مهمة فريق مولر تتعلق بالتحقيق في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وعلاقته بحملة ترامب الانتخابية، فلماذا طلب الفريق وثائق تتعلق بفلين وعلاقته المحتملة مع الحكومة التركية؟
يعود التفات فريق التحقيق إلى فلين إلى سببين، إما لكونه عضوًا سابقًا ضعيفًا في إدارة ترامب بحكم تخلي الإدارة عنه في وقت قصير وبالتالي يمكن استغلاله في التحقيق، أو أنه متورط في التخابر مع تركيا وروسيا، وأن الفريق سيقدم له عرضًا بتجاهل التهم المنسوبة إليه مقابل تعاونه مع المحققين، حسب تساؤل طرحه آري ميلبر مذيع قناة أم أس أن بي سي الأمريكية على وولتر ديلينجر أستاذ القانون في جامعة دوك.
كان الرئيس ترامب قد أعلن رغبته في حصر تحقيق فريق المستشار مولر بـ”التدخل الروسي”، إلا أن ديلينجر يرى أن هذه ليست الطريقة التي يعمل بها المحققون، فهم ينظرون في احتمال خضوع أفراد حملة ترامب لتأثير مالي وخاصة فلين الذي أصبح مستشارًا للأمن القومي. الأمر الذي لا يمكن فصله عن قضية التدخل الروسي في الانتخابات.
ردّ حلفاء ترامب على تقرير نيويورك تايمز بوابل من الهجوم على المستشار مولر. ونوّه نوت غينغريتش رئيس مجلس النواب الجمهوري السابق بما وصفه بالفساد في وزارة العدل التي أطاحت بسياسيين في وقت سابق، متّهمًا مولر بتغيير الأهداف من التدخل الروسي إلى التحقيق بشأن تورط فلين مع الأتراك الذي قد يعود إلى عدم وجود أرضية للتحقيق أصلًا.
وما زال الرئيس ترامب يؤكد عدم وجود صلة مالية بينه وبين روسيا وأن الحديث عن تورط حملته الانتخابية مع الروس هو محض افتراء من الإعلام، منذ الإعلان المشترك لوزارة الأمن الوطني ومكتب مدير الأمن القومي في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 عن قيام الاستخبارات الروسية باختراق حواسيب الحزب الديمقراطي وحساب مدير حملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وتحويلها المحتوى الذي حصلت عليه إلى موقع ويكيليكس.
ومنذ تولي ترامب الرئاسة، يدعو صحفيون ونشطاء وسياسيون ليبراليون إلى محاكمته، الأمر الذي يتطلب توافقًا سياسيًا لم يتوفر في تاريخ الولايات المتحدة، وجرمًا ثابتًا بما لا يدع مجالًا للشك، الأمر الذي قد يوفره التحقيق في قضية التدخل الروسي في الانتخابات إذا ثبت تورط حملة ترامب مع الروس في هذا الشأن.
وبالمحصلة، قد نشهد في الفترة المقبلة تصاعدًا في اللهجة الأمريكية غير الرسمية وخاصة من الإعلام الليبرالي ومراكز البحث تجاه تركيا، بهدف حصر فلين في الزاوية وإخضاعه لفريق التحقيق الخاص، وبالتالي التقدم خطوة للأمام في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وفي النهاية ربما يصل التحقيق إلى الرئيس ترامب نفسه.
ترك برس