سارت تركيا في السنوات العشر الأخيرة نحو التقدم بخطاً واضحة, وحققت في هذا المجال انجازات لافتة, وأصبحت من القوى العظمى في الشرق الأوسط بل في العالم بأسره.
وكان للاستقرار الأمني الذي وفرته حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة دور بارز في تحقيق تركيا لمكاسب على الأرض من تقدم ورفاه اقتصادي, على الرغم من العدد الكبير من العقبات التي واجهت ذلك كمشاكل حزب العمال الكردستاني, والأزمة السورية المستمرة منذ خمس سنوات حتى الآن.
لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه, إذا كانت تركيا من الدول المتقدمة فلماذا تعاني من الانقلابات؟ فهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها انقلاب في تركيا, فتاريخها حافل بالانقلابات منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وقيام دولة تركيا الحديثة وإلى الآن..ولماذا لا تحصل الانقلابات في الولايات المتحدة؟
برأينا تلعب طبيعة الشعب الدور الأبرز في هذه القضية, إضافة الى أهمية الموقع الجغرافي, ووهمية التجربة الديمقراطية.
واذا قارنا بين طبيعة الشعب في كل من البلدين سنرى أن تاريخ الشعب الأمريكي أسود, فالأجداد هم عبارة عن شرذمة من اللصوص والمجرمين الذين تم نقلهم من سجون القارة الأوربية مع القرن السادس عشر إبان حركة الكشوف الجغرافية؛ لتتخلص منهم القارة من جهة, ولكي تزجهم في عمليات الإعمار ونهب الثروات الموجودة في العالم الجديد من جهة أخرى. وبالطبع لن يكون الأحفاد أصلح حالا.
لا يتعامل الأمريكي بقلبه أبدا, هو عبارة عن آلة دون مشاعر تطبق فقط الإملاءات والأوامر, ويعيش في ظل حكومات متعاقبة ذات إيديولوجية ونهج محدد لا جديد فيه ولا تغيير.. ومهما وصل المواطن الأمريكي من العلم والثقافة تبقى الصبغة القديمة لأصول الأجداد موجودة في دمه.
بالمقابل نرى الشعب التركي شعبا متجددا, طيبا بطبعه وطابعه لطيفا بمعشره على الرغم من جمود تفكيره وعناده الفطري (هذا ما تقرّه دراسات السلالات البشرية- الإنثربولوجيا).
وبهذا يمكن للشعب الطيب أن يحرَّض ويُحشد مشاعريا فيعاني من الانقلابات, في حين لا انقلاب في حياة الشعب (الآلة)؛ لأنه ثابت له آلية معينة محددة من المصنع “المأدلج” لا يستطيع الخروج إلى غيرها.
ولأهمية الموقع دور بارز في حدوث القلاقل والانقلابات أيضاً: فليس لموقع الولايات المتحدة أية أهمية مذكورة في التحليلات السياسية خاصة إذا ما تمت مقارنته بموقع تركيا-بوابة القارة الأسيوية على أوروبا, وصلة الوصل بينهما, إضافة إلى كونها الجارة الجنب لسوريا (التي تُعد في الدراسات السياسية قلب العالم).
كل هذا أكسب تركيا زيادة في أهمية موقعها والغنى الحضاري الكبير الذي خلفه موقع تركيا وانتشار الديانة الإسلامية بشكل كبير.
هذه الأهمية جعلتها محط أنظار الطامعين، من دون تسمية, الذين سيحاولون مرارا وتكرارا إثارة الفتن والاضطرابات لوضع العصىي في عجلات الحركة التطورية التي تسير فيها الحكومة التركية؛ خوفا من اجتماع الموقع وسماته مع التطور والتقدم والرفاه الاقتصادي, الذي يؤدي الى خلق دولة عظمى في المنطقة مهددةً نفوذ الدول العظمى الأخرى فيها.
وأخيرا نأتي إلى وهمية تطبيق التجربة الديمقراطية، فقد يختلف البعض معنا في وجهة النظر هذه, لكنها وجهة نظرنا في النهاية.
فنحن نرى أن تجربة الولايات المتحدة في الديمقراطية تجربة وهمية: إذ يسيطر على حكم الولايات المتحدة الحزبان الديمقراطي والجمهوري ويتقاسمان الحكم بالإيديولوجية نفسها، وطريقة التفكير برضا وقناعة تامة لكليهما، ويبقى المواطن الأمريكي بعيدا عن كل ما يدور في أروقة الدوائر الحكومية الأمريكية.
ينحصر دور المواطن الأمريكي في انتقاء أحد الشخصين اللذين رشحهما الكونغرس ليختار أحدهما.. وهذا برأينا قمة زيف الديمقراطية رغم أن المواطن الأمريكي مقتنع وسعيد بديموقراطيته ولا يفكر -مجرد التفكير- بالقيام بانقلاب فهو يعيش في أكثر دول العالم ديمقراطيةً، إذ بعد أربع سنوات سينتخب مرشحا جديدا ما لم تعجبه سياسة الرئيس الحالي.
بينما طبقت تركيا تجربة الديمقراطية بصورة أكثر واقعية من خلال انتخابات نزيهة، بقيم مرتفعة وليست تامة، وعندما تطبّق الديمقراطية بشكل جيد يكون هناك مجال لحدوث انقلابات خاصة من أشخاص وجدوا أنفسهم غير مرغوبين من قبل الشعب فيعاقبونه بقض مضجعه بانقلاب عسكري.. وهذا ما حدث مع الشعب التركي قبل أيام.
وهكذا نرى أن الانقلابات والقلاقل في دولة كتركيا لن تتوقف في المستقبل لأن الشعب التركي شعب حي باقٍ في التاريخ له أصول وجذور قوية وله خصوم وأعداء خارجيون: إقليميون ودوليّون، وداخليون مستعدون دائما ليكونوا أداة تمرير سياسات أولائك الأعداء الخارجيين.
شاديا الراعي – المركز الصحفي السوري