وصل وباء فيروس كورونا إلى تركيا قبل أن تتعافى تماما من الأزمة الاقتصادية التي بدأت صيف 2018، حيث خططت لعام 2020 أن يكون بداية عودة الانتعاش الاقتصادي، كما أن الوباء بدأ في الصين ثالث أكبر شركائها التجاريين، ثم تحولت بؤرته إلى دول الاتحاد الأوروبي أكبر شركائها التجاريين على الإطلاق.
وبعد أكثر من شهر من إعلان الإصابة الأولى في البلاد، يقول مراقبون إن الآثار الاقتصادية للوباء لا تزال ضعيفة وغير منظورة، إلا أنها مرشحة للتفاقم كلما طال أمد الوباء ومدة الإجراءات الاستثنائية المفروضة على الشعب، والتي أثرت على قطاعات العمل والاقتصاد المختلفة.
خطة اقتصادية
في مواجهة الوباء، كانت الحكومة التركية قد أعلنت عن خطة درع الاستقرار الاقتصادي التي تتضمن حزمة تدابير اقتصادية لمواجهة فيروس كورونا، وخصصت لها مئة مليار ليرة تركية (15.5 مليار دولار).
وتتضمن حزمة درع الاستقرار الاقتصادي التركي البنود الآتية:
– تأجيل تسديد أقساط مؤسسة الضمان الاجتماعي المستحقة خلال ثلاثة أشهر لمدة ستة أشهر.
– تخفيض قيمة الضريبة المضافة خلال رحلات الطيران الداخلي من 18% إلى 1%، لمدة ثلاثة أشهر.
– إطالة فترة تسديد قروض المصانع المتضررة من كورونا ودفعات الفائدة للبنوك نحو ثلاثة أشهر.
– تقديم دعم للمصدرين في هذه المرحلة التي تعاني من تراجع مؤقت للصادرات.
– فيما يخص شراء المنازل التي قيمتها أقل من خمسمئة ألف ليرة، تخفيض الدفعة الأولى إلى 10%، وزيادة نسبة المبلغ القابل للتقسيط من 80% إلى 90%.
– زيادة الرواتب التقاعدية الأدنى لتصبح 1500 ليرة، كما سيتم تقديم منحة العيد للمتقاعدين.
– تخصيص ملياري ليرة إضافية لوزارة الأسرة والعمل، لتقديم مساعدات مالية للعائلات المحتاجة.
– تفعيل برنامج الخدمات الاجتماعية والطبية في المنازل للمسنين ممن تتجاوز أعمارهم ثمانين عاما.
في بيان صادر عنه، اعتبر ثروت ترزيلار، عضو هيئة مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، الحزمة الاقتصادية الجديدة، بمثابة متنفس للاقتصاد التركي والشركات الصغيرة والمتوسطة.
بدوره، قال تشيتين تيجدلي أوغلو، رئيس جمعية الصناعيين، إن “درع الاستقرار الاقتصادي بمثابة بر الأمان للشركات التي كانت تعاني من ضائقة اقتصادية“.
من جهته، أكد رئيس جمعية مصدّري المستلزمات المنزلية في تركيا، براق أوندر، أن “الإعلان عن الحزمة الاقتصادية عزز الثقة الاجتماعية والنفسية لدى المجتمع“.
يشار إلى أن البنك المركزي التركي أعلن في بيان زيادة التدابير الاقتصادية لمواجهة التأثيرات السلبية لفيروس كورونا على الاقتصاد الوطني، ومن ضمن التدابير المقررة زيادة مرونة السيولة النقدية لدى المصارف بالليرة التركية والعملات الأجنبية، وتدابير إضافية لضمان استمرار تدفق الائتمان للقطاع الحقيقي عبر دعم مصدّري السلع والخدمات على نطاق واسع.
وأخيرا أعلن البنك المركزي خفض سعر الفائدة مئة نقطة أساس، على عمليات إعادة الشراء لأجل أسبوع، من 10.75% إلى 9.75%.
ووفق دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات، فرغم تأكيد الحكومة التركية أنها مستمرة في متابعة الأوضاع الاقتصادية، فإن هناك خشية من أن خطة الاستقرار الاقتصادي قد تكون غير كافية، كما أن مصدر القلق الأبرز أن تكون فائدتها جزئية ومؤقتة خصوصا إذا طال أمد الأزمة، ومما يدعم هذه الفرضية أن الليرة التركية تراجعت بنسبة 10% أمام العملات الأجنبية خلال هذه الفترة.
كما أن احتياطي المصرف المركزي تراجع بأكثر من عشرة مليارات دولار خلال أسبوع واحد فقط بعد إعلان قرارات الدعم ليقف عند حد 93.5 مليار دولار.
حزمة تحفيز
ذكر الصحفي الاقتصادي في صحيفة ديلي صباح التركية أحمد إسماعيل، أن بنوك الدولة دأبت على بيع العملات الصعبة في الأسواق لدعم الليرة المحاصرة وكبح جماح أسعار صرف العملات الأجنبية، وقد استهلكت تلك التدخلات نحو أربعين مليار دولار، كان يمكن للبنك المركزي الاحتفاظ بها كاحتياطيات أجنبية في مثل هذه الأزمة.
وقال إسماعيل للجزيرة نت، “خطة الدرع الاقتصادي جاءت في أغلبها على شكل إعفاءات ضريبية وتأجيلات دفع وتخفيضات ضريبية للشركات، وتشكل عمليات الحقن النقدي المباشرة جزءا صغيرًا منها“.
ولفت إلى أن الحزمة تخصص ملياري ليرة إضافية لمؤسسات المساعدة الاجتماعية والتضامن التي تديرها الحكومة، والتي تقدم أشكالا مختلفة من المساعدة للمحتاجين، وبناء على ذلك فإن الأموال الشهرية المتاحة للمؤسسات ستزيد بمقدار الثلث إلى 180 مليون ليرة.
ويعتقد الصحفي في جريدة ديلي صباح أن الحكومة لا تستطيع تجاهل دعوات الدعم الاجتماعي مع إغلاق العديد من الأعمال التجارية والتضخم المتوقع لجيش العاطلين عن العمل، لذلك يتزايد الضغط عليها للقيام بالمزيد.
وقال “خوفا من الانضمام إلى جيش العاطلين عن العمل الذين وصل عددهم إلى نحو 4.5 ملايين عاطل العام الماضي، لم يكن أمام العديد من العمال خيار سوى مواصلة التوجه إلى وظائفهم في المصانع والمناجم ومواقع البناء“.
وأوضح إسماعيل أن الخطة الحكومية توسع نطاق المساعدة من صندوق التأمين ضد البطالة، من خلال بند “مدفوعات العمل قصيرة الأجل“، والتي يتم دفعها على مدى ثلاثة أشهر لموظفي الشركات التي أُجبرت على الإغلاق مؤقتا بفعل الظروف الاستثنائية.
وأضاف الصحفي الاقتصادي “محاولات الحكومة –التي يعتبرها الكثيرون “رمزية“- التعامل مع الأزمة لها علاقة بشكل أساسي بهشاشة الاقتصاد التركي نتيجة الأزمة المستمرة، والذي ساءت حالته أكثر منذ بداية تفشي المرض“.
وزاد “ربما تضطر الحكومة لطباعة مزيد من النقود على حساب مزيد من إفساد التوقعات المالية لتركيا في نظر الدائنين الأجانب“.
وبناء على ما سبق، فإن الأسابيع المقبلة ستكون محكا مهما لاختبار مدى نجاعة حزمات الدعم التي أقرتها الحكومة والقرارات المالية التي اتخذها المصرف المركزي في تخفيف التداعيات السلبية للوباء.
نقلا عن الجزيرة