قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة ألقاها خلال مشاركته في انعقاد الاجتماع التأسيسي لجمعية “الأنصار” التركية غير الحكومية في مدينة إسطنبول، إنهم بدأوا بتغيير المناهج الدراسية بالبلاد في مسعى منهم لردم الهوة بين الشعب من جهة وتاريخه وثقافته من جهة أخرى.
وأضاف الرئيس التركي “مازال هناك نقص في طرق إعداد الأجيال للمستقبل وهو مطلب شعبي وحاجة وطنية”. وتابع “بدأنا منذ وقت قصير بتغيير المناهج الدراسية التي وضعت من قبل للتنفير من لغتنا وتاريخنا وأجدادنا”.
وأشار إلى الدور الكبير الذي يشكله شباب تركيا في رسم مستقبل البلاد، وفي هذا الصدد تطرق أردوغان إلى دورهم في التصدي للمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو الماضي.
وشدّد على أن “أهداف تركيا الخاصة برؤيتها لعام 2053 ليست من الأماني، بل من الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الشباب في هذا البلد”.
ووعد أردوغان الشباب بإعطائهم الفرصة في شغل مناصب قيادية داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية التي تشهدها البلاد، مطالبًا إياهم بإعداد أنفسهم ليكونوا على قدر المسؤولية والثقة.
هذا التغيير في مناهج التعليم يأتي في إطار تطوير التعليم التركي وحذف الكثير من الحشو الذي يتحدث عن بطولات أتاتورك
وتندرج هذه الخطوة ضمن مساعي أردوغان والحزب الحاكم إلى تغيير سمات المجتمع التركي الذي عرف بعلمانيته وذلك من خلال تغييب الدروس التي يتلقاها الطلاب في جل المراحل التعليمية حول تاريخ تركيا فيما يخص تاريخ تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك قائد الحركة التركية الوطنية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وهو الذي أوقع الهزيمة في جيش اليونانيين في الحرب التركية اليونانية عام 1922، وبعد انسحاب قوات الحلفاء من الأراضي التركية جعل عاصمته مدينة أنقرة، وأسس جمهورية تركيا الحديثة، فألغى الخلافة الإسلامية وأعلن علمانية الدولة.
هذه الحقائق التاريخية لا يروق لأردوغان وللحزب الإسلامي الحاكم أن تدرسها الأجيال القادمة وتتعلق بمؤسس تركيا الحديثة وبعلمانية الدولة وبقيمها ومبادئها، وهو ما عبر عنه الرئيس التركي مرارا في خطبه السياسية. والخطوة الأخيرة نحو تغيير المناهج تستهدف بشكل مباشر هذا التاريخ وذلك عبر استبدالها بمناهج تتعمق أكثر في تاريخ الدولة العثمانية وسلاطينها وإنجازاتهم في نشر الإسلام عن طريق إدخال دروس تتعلق بالغزوات والجهاد في سبيل الله.
وكانت الحكومة قد ردت على منتقديها من المعارضة العلمانية التي تقول بأن في هذه التغييرات محاولة لإضعاف علمانية الدولة وفرض الصبغة الإسلامية عليها، بأن هذا التغيير في مناهج التعليم يأتي في إطار تطوير التعليم التركي والارتقاء به وحذف الكثير من الحشو (الذي يتحدث عن بطولات أتاتورك) نافية الحكم عليه بأنه يهدف إلى إحداث تغيير فكري واجتماعي لدى أجيال المتعلمين.
وعملت وزارة التعليم منذ فترة على الأخذ بتوجيهات الرئيس والحزب الحاكم في إطار اختيارها للمناهج التي سوف يتم تدريسها خصوصا فيما يتعلق بمناهج التربية والدين والأخلاق والتاريخ والثقافة منذ المراحل الابتدائية في المدارس وصولا إلى الجامعات.
وكان أردوغان قد عبر عن عدم رضاه عن مناهج التاريخ التي يتلقاها الطلاب في المدارس التي وصفها قائلا “من المؤسف أننا أعددنا تاريخنا الرسمي لسنوات، بالشكل الذي أراده البريطانيون… مناهج كتب التاريخ في تركيا ناقصة، كما أن الذين يشرحون التاريخ التركي القديم، وينتقلون مباشرة إلى تاريخ الجمهورية، متجنبين ذكر تاريخ حقبة زمنية استمرت 600 عام (الدولة العثمانية)، هم أعداء لنا”.
رجب طيب أردوغان: بدأنا بتغيير المناهج الدراسية التي وضعت من قبل للتنفير من لغتنا وتاريخنا
وقامت الحكومة التركية بتعميم مناهج التعليم الإسلامي، حيث تجبر طلاّب المدارس والجامعات مهما كان دينهم أو طائفتهم على حضور الدروس الدينية القائمة أساسا على تحفيظ القرآن وتعلم السيرة النبوية. ورغم احتجاج الأقليات الدينية في تركيا على التعليم الديني الإجباري إلاّ أن السلطات تتجاهل كلّ الأصوات المعارضة لسياستها التربوية والتعليمية.
وكانت وزارة التربية قد أقدمت منذ عام 2014 على إدخال العديد من التغييرات على طرق التعليم ومن بينها إجبار الطلاب في جميع المراحل التعليمية على حضور الدروس الدينية القائمة على تحفيظ القرآن والسيرة النبوية مهما كان دينهم وطائفتهم وهو ما رأى فيه المعارضون من الأقليات الدينية ضربا للتعددية في المجتمع التركي من خلال سياسات الدولة التربوية وإصرارها على تطبيق شعار الحزب الحاكم “أمة واحدة” و“دين واحد” و“مذهب واحد”.
واعتبر المعارضون من الأقليات أن الحكومة تمارس عملية دمج إجبارية على الأقليات خاصة وأن الحزب الحاكم يسعى إلى دعم وتوسيع ما يعرف بمدارس إمام خطيب الدينية على حساب باقي المدارس. كما يسعى الحزب الحاكم إلى منع التعليم باللغة الأم للعديد من الطوائف في تركيا ويشمع المدارس فارضا التعليم باللغة التركية.
هذا التوسيع لتعليم الدين الإسلامي ومحاصرة التعددية في المجتمع بجانب تغيير المناهج والبرامج التعليمية وفرض طرق معينة في التدريس تمنع الاختلاط خاصة في المواد الدينية والمدارس الدينية تصب جميعها في ضرب تعددية المجتمع التركي الذي ترتكز عليه علمانيته وانفتاحه.
وقد اتخذ أردوغان والحزب الحاكم من إصلاح التعليم وسيلة لتغيير ثقافة المجتمع التركي عبر القضاء على العلمانية فالكثير من المناهج الجديدة تغير لدى الطلاب منذ سنواتهم الأولى في المدرسة العديد من المفاهيم التي تأسست عليها الدولة التركية العلمانية ومن أهمها النظرة للمرأة ولمفهوم الأسرة وكذلك مفاهيم العمل والاختلاط ما من شأنه أن يصنع أجيالا منغلقة تتمحور ثقافتها حول مبادئ الحزب الحاكم الإسلامية.
امصدر:صحيفة العرب