قبل سنة من الآن وفي نفس التوقيت، ليلة الخامس عشر من تموز/يوليو لم تكن الشوارع التركية خالية، بل تحولت إلى مسرح لحدث لافت للجميع وسيبقى على مر سنوات طوال من تاريخ تركيا الحديث مؤثراً وراسخاَ وشاهداً على تورطت قيادات عسكرية وشخصيات سياسية في محاولة انقلابية قبل أن يتم إفشالها وتدخل الأمن مع نزول الأتراك للشوارع.
“تركيا” دولة الثمانين مليون والتي تمتلك حلف “الناتو”.. التي تحتل اليوم المرتبة 17 في الاقتصاد العالمي، و16 في التجارة البحرية انتهى زمن صمت الشعب لديها أمام تقاليد الوصاية والانقلاب المنحدرة إلى يومنا من عهد الدولة العثمانية، وها هي اليوم مستعدة للاحتفال وذلك من خلال تنظيم فعاليات رسمية وشعبية ثقافية في مختلف المدن التركية وقد انتشرت في الشوارع العامة والمدن الأعلام التركية إلى جانب العديد من اللافتات والصور التي تذكر بدور الشعب التركي في إفشال المحاولة الانقلابية، عداك عن الاستعدادات لتنظيم مسيرات تحاكي الاعتصامات التي كانت قد استمرت 27 يوماً عقب المحاولة الانقلابية تحت “مناوبات حراس الديمقراطية”.
في عام 2016 اتهمت الحكومة التركية تنظيم “فتح الله غولن” بأنه المدبر الرئيس للمحاولة الانقلابية، حيث حولت بعض عناصر الجيش السيطرة على نقاط حيوية في البلاد، لكن الإرادة الشعبية واندفاعها والتكاتف مع القيادة التركية المنتخبة أفشلت المحاولة وبجدارة لا يحسدون عليها.
أما عن أبرز أحداث تلك الليلة الانقلابية جرت بين استنبول وأنقرة ومدينة مرماريس، ومن أبرز محطاتها التي بدأت في العاشرة ليلاً قيام عناصر من الانقلابيين بإغلاق جسري البوسفور والسلطان محمد الفاتح الواصل بين شقي مدينة استنبول مع تحليق طائرات حربية على ارتفاع منخفض فوق منشآت عسكرية في أنقرة، تتالت التحركات العسكرية في سلسلة متواصلة إلى الرابعة والنصف فجراً حيث تحدث الرئيس التركي إلى الإعلام “رجب طيب أردوغان “وقدم تفاصيل لمحاولة الانقلاب، وفي الثامنة صباحاً بدأت الحياة تعود تقريباً إلى طبيعتها في استنبول واستسلام خمسين جندياً من المشاركين في محاولة الانقلاب، لرجال الشرطة على جسر “البسفور” ليكون الجسر مشهدا لبداية محاولة الانقلاب ولنهايتها كذلك.
مع خروج الشعب التركي للشارع استطاع أن يظهر ديناميكية كبيرة للجميع، كل الأحزاب أخذت موقفاً فاعلاً ضد الانقلاب العسكري، ليتأكد للعالم الخارجي بأكمله أن عصر الانقلابات في تركيا قد ولى.
مع ظهور الواقع السياسي القوي لتركيا نشاهد أن القوى الكبرى سواء روسيا أو إيران وغيرهم من دول الجوار يستطيعون القول إنها مؤثرة في محيطها، وها هو الشعب يحتفل بقوة بعد أن كان الانقلاب كافياً لإقناع الأتراك، بمساوئ حكم العسكر، وهو ما دفعهم للنزول للشارع، محافظين بذلك على استقلالية القرار التركي.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد