تفيد مؤشرات عديدة تستند إلى ما صدر عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارته إلى طهران قبل أيام، ووصلت أجواء منها إلى “العربي الجديد” من خلال صحافيين رافقوا الرجل في الطائرة، بأن أنقرة تنوي العودة يمنياً إلى السمة التي كان لها فضل كبير في إعلاء شأن تركيا منذ استلام حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002 حتى اندلاع الثورات العربية، وهي دور “الوسيط العالمي”. وبعدما بدا من حماسة أردوغان في تأييد عاصفة الحزم منذ الساعات الأولى لبدء ضرباتها في 26 من الشهر الماضي، يبدو أن تغييراً سيعيد تركيا إلى كلاسيكيات دبلوماسيتها كوسيط، وهو دور برعت فيه أنقرة قبل أن تتخلى عنه، حين باتت سياستها الخارجية أكثر هجومية وبعيدة عن الحياد في ملفات عديدة تتعلق بالثورات العربية والانقلاب عليها.
وقال أردوغان للصحافيين، مرات عدة وبشكل علني وواضح، بأن تركيا تقف على الحياد من جميع المتصارعين في المنطقة، بل إن سياستها تقوم على الرفض التام لجميع السياسات التي تنحو منحى طائفياً في المنطقة، قائلاً: “إن مصدر قلقي ومخاوفي الأكبر هو الطائفية، بعض الشعوب قد تكون شيعية، وبلادنا قد تكون في أغلبيتها سنية، ولكن الشيء الأساسي بالنسبة لنا ليس المذهب السني أو الشيعي، بل إنه الإسلام بحد ذاته”. بذلك، يرى أردوغان ضرورة في عدم دعم عاصفة الحزم على حساب العلاقات مع إيران، من هنا تتهيأ تركيا لاتخاذ موقف لا يتساهل مع الإخلال بمصالحها، ولكن بنفس الوقت يهيئ نفسه للعودة إلى تأدية دور الوسيط، هذه المرة بين إيران والدول العربية بقيادة السعودية، بعدما سبق لأنقرة أن قامت لفترة طويلة بدور وساطة نووية بين إيران ومجموعة الـ5 زائد واحد قبل خمس سنوات تقريبا.
“ |
أولى الإشارات بهذا الخصوص جاءت من المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالِن، أقرب مستشاري أردوغان، وذلك قبل يوم واحد من زيارة أردوغان لطهران، قائلاً: “سنستمر ببذل الجهود لجلب جميع الأطراف إلى طاولة الحوار، لحل الأزمة اليمنية بالتفاوض والحوار”، لتتزامن معها تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو التي أكد فيها “أن بلاده جاهزة للعب دور مهم من أجل حل الأزمة اليمنية، وأنها على استعداد للعب دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة، والمساهمة في تقريب وجهات النظر بينها”. تصريحات صدرت بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الداخلية السعودي، وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن نايف إلى أنقرة، عشية توجه أردوغان إلى طهران، لتبدو هذه الزيارة محاولة لجس النبض وإمكانية عقد “مصالحة” بوساطة تركية.
اقرأ أيضاً: أردوغان في طهران غداة لقاء محمد بن نايف
وأضاف أردوغان بأنه بعد اللقاءات التي عقدها مع كل من الجانب السعودي والإيراني، فقد تلقت أنقرة رغبات وشروط كل من السعودية وإيران، قائلاً: “إن العملية ستستمر، لكن باجتماعات ولقاءات يجريها وزير الخارجية التركي”.
كما أشار أردوغان للصحافيين خلال عودته من طهران، بأنه ناقش هذه الأمور مع المسؤولين الباكستانيين، كما سيقوم بنقاشها خلال جولة سيجريها في العالم الإسلامي، تشمل كلاً من إندونيسيا وماليزيا وستنتهي بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، قائلاً: “بعد هذه الجولة نأمل أن تكون محادثاتنا وتقييماتنا للموقف قد وصلت إلى نقطة نهائية”.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف قد أعلن خلال كلمته في الجلسة المشتركة للبرلمان الباكستاني بأن الحكومة الباكستانية تنتظر ردا من أنقرة لاتخاذ القرار في ما يخص التدخل العسكري في اليمن، قائلاً: “ننتظر من الرئيس التركي ردا بشأن التدخل العسكري في اليمن”، لافتا إلى أن الحراك الدبلوماسي نشط جدا بين إيران وباكستان وتركيا.
تطورات تأتي بعد حسم باكستان قرارها بعدم الانضمام إلى التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، ليرى بعضهم في “حياد” تركيا خبراً غير سارّ لـ “عاصفة الحزم”، بينما يرى آخرون أن هذا الموقف التركي ضروري لإنهاء الحرب بعد تحقيق أهدافها، وهو ما يستحيل أن يحصل إلا بوساطات كتلك التي تستطيع تركيا تأديتها.
باسم دباغ – العربي الجديد