يشهد الواقع الميداني السوري تغيرات متسارعة، مع اقتراب العملية التفاوضية بين النظام والمعارضة التي حددت في أواخر يناير المقبل برعاية الأمم المتحدة.
ولا تبدو المتغيرات العسكرية التي تشهدها عدة مناطق سورية وخاصة في دمشق وريفها ومحافظتي درعا والقنيطرة، كما وسط سوريا، ببعيدة عن هذا الحدث السياسي.
ويكاد يجمع المحللون العسكريون على أنها تصب في إطار ترتيبات ميدانية جديدة بمباركة دولية تمهيدا للانطلاقة الفعلية للعملية التفاوضية.
ويقول المحللون إن عملية تجميد الدعم لقوات المعارضة في جبهة الجنوب مثلا تصب بلا شك في هذا الإطار حيث يراد أن تكون للنظام الكلمة الفصل في هذه الجبهة كما في العاصمة وريفها فيما يتم حصر القتال والفصائل الإسلامية أساسا في المنطقة الشمالية والشرقية على الحدود مع تركيا.
وأكّد قيادي في الجيش السوري الحر تراجع الدعم الذي تتلقاه المعارضة المسلحة في جنوب سوريا من غرفة (الموك) للعمليات العسكرية التي تشرف عليها الولايات المتحدة.
وأشار المقدّم حسان رجّو الملقب بأبي عبدالرحمن في تصريحات لـ”العرب” إلى تعذّر الحصول على مضادات جوّية موضحا “هناك حظر شديد على المضادات الجوية الحرارية، وحتى المضادات الجوية الصاروخية التي اغتنمناها من معسكرات الجيش لم تكن صالحة للعمل، كانت بحاجة إلى (شيفرات) خاصة لا نملكها، وفي كل عملياتنا لم نغتنم سوى صاروخين صالحين استخدمناهما في معارك القنيطرة، وأسقطنا بواحد طائرة حربية والثاني فشل بإصابة هدفه”.
شريان الحياة لجبهة الجنوب كان غرفة (الموك) التي تديرها الولايات المتحدة بالشراكة مع دول أوروبية وعربية
وتوقع توقف الدعم بشكل كامل عندما تبدأ أولى خطوات الحل السياسي، وشدد على أهمية تشكيل مجلس عسكري مشترك من المعارضة والجيش السوري لا يخضع لسلطة الأسد، وقال إن هناك جهوداً لإنجاح ذلك.
ولفت الضابط المنشق عن النظام إلى أن “شريان الحياة في جبهة الجنوب كان غرفة (الموك) التي تديرها الولايات المتحدة بالشراكة مع دول أوروبية وعربية، وكان لها الدور الأساسي في دعم المقاتلين وفصائل الجيش الحر خاصة في جنوب سوريا، وهناك اتفاق وتنسيق كاملين بين مقاتلي الجيش الحر وغرفة العمليات، وكان دعمها كافياً”.
وأوضح رجو الضابط المنشق عن اللواء 104 في الحرس الجمهوري في سوريا، “إن العمل بالمنطقة الجنوبية بات الآن صعب للغاية ويخضع لتوازنات إقليمية حساسة، لكن كتائب الحر في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة أثبتت قدرتها ووعيها، فهي لا تضع القتال هدفا بحد ذاته، بل تقوم بما يُمكن وصفه عسكريا ‘العمل السياسي العنيف’ رداً على عنف النظام المفرط والعشوائي”.
وأشار القائد العسكري لجبهة الشام الموحّدة التابعة للجيش الحر “نُقاتل فقط لإجبار الأسد على التفاوض أو لإيصاله لقناعة بأنه لم يعد مقبولاً من الغالبية العظمى من السوريين ويجب عليه ترك السلطة وتسهيل التحوّل إلى نظام ديمقراطي تعددي لا طائفي بعد أن حكم هو وأبوه خمسة عقود بفساد وطائفية”.
وكانت جبهة الجنوب قد شهدت أواخر العام الماضي وبداية هذه السنة التي شارفت على الانتهاء، نجاحات عسكرية ملفتة في ظل تراجع دراماتيكي للجيش السوري. وتمكنت فصائل الجبهة ومعظمها تنتمي للجيش الحر من السيطرة على عدة مناطق في ريف دمشق الجنوبي كما سيطرت على معظم محافظة درعا الحدودية مع الأردن، ولم يبق للنظام غير بعض الجيوب.
وقد تكهن العديد من المتابعين بأن سقوط النظام بالجنوب هي بداية نهايته الفعلية، ولكن بقرار خارجي تراجعت العمليات، إلى حد الجمود التام. لتتحرك هذه الجبهة في اليومين الأخيرين ولكن بعملية معاكسة، حيث تحول الجيش السوري من دائرة الدفاع إلى الهجوم وتمكن بغطاء جوي روسي من استرجاع اللواء 82 وبات قاب قوسين من السيطرة على بلدة الشيخ مسكين الاستراتيجية.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الثلاثاء، استعادة الجيش السوري السيطرة على اللواء القريب من بلدة الشيخ مسكين التي تسيطر الفصائل المقاتلة على أجزاء منها في محافظة درعا في جنوب البلاد، بعد اشتباكات عنيفة.
|
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن “تمكنت قوات النظام بدعم من مقاتلي حزب الله وضباط إيرانيين الثلاثاء من استعادة السيطرة على اللواء 82 والتقدم في بلدة الشيخ مسكين في محافظة درعا بعد سيطرتها الاثنين على الجزء الشمالي في البلدة”.
وأضاف أن “السيطرة على اللواء 82 تخول لقوات النظام السيطرة ناريا على الحي الشمالي الغربي من البلدة”. وسيطرت الفصائل قبل عام بشكل كامل على بلدة الشيخ مسكين واللواء 82، الذي كان يعد أبرز نقاط تواجد النظام في ريف درعا.
وتسعى قوات النظام وفق عبدالرحمن، منذ عام “لاستعادة السيطرة على البلدة الواقعة على تقاطع طرق، أبرزها طريق دمشق درعا القديم وطريق استراتيجية تربط بين بلدتي بصر الحرير ونوى، خزان المقاتلين في محافظة درعا”.
وأفاد المرصد عن استمرار المعارك العنيفة الثلاثاء بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل الإسلامية والمقاتلة من جهة أخرى في البلدة ومحيطها، بالتزامن مع قصف وغارات جوية على البلدة ومناطق في محيطها.
التطور في المشهد الميداني طال أيضا وسط سوريا حيث تمكنت الثلاثاء وحدات من الجيش السوري من السيطرة على جبلي مهين الكبير والصغير وبلدة مهين ومستودعاتها وقريتي الحدث وحوارين بمحافظة حمص بعد القضاء على آخر مقرات وتجمعات تنظيم داعش.
وأكد المرصد تقدم قوات النظام بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين تزامنت مع شن “طائرات حربية روسية العشرات من الغارات على مواقع للتنظيم في مهين ومحيطها”، مشيرا إلى خسائر بشرية في صفوف الطرفين من دون توفر حصيلة.
ويقول محللون إن التطورات العسكرية المتسارعة في سوريا والتي تتزامن مع تسويات شملت أساسا ريفي دمشق وحمص، تؤكدا أن هناك غطاء دوليا لها. ويعتبر هؤلاء أنه حتى مقتل قائد جيش الإسلام زهران علوش في الغوطة الشرقية، لم يكن ببعيد عن هذه الأجواء، ويستدلون على ذلك بصمت معظم الدول المؤثرة في الصراع السوري عن العملية، باستثناء بعض التصريحات التي لا ترقى إلى مستوى الانتقادات.
العرب