يواجه المرشح الجمهوري لمنصب الرئاسة، دونالد ترامب، تحديا نادرا ما واجهه مرشح جمهوري في العقود الأخيرة، وهو احتمال خسارته لبعض الولايات التي تعتبر من المعاقل المضمونة للحزب الجمهوري، إضافة إلى خسارته للولايات التي لا تعتبر محسومة لصالح أي من الحزبين، ولذلك تسمى الولايات المتأرجحة أو ولايات ساحات المعارك. هذه هي الولايات التي يركز عليها عادة مرشحو الحزبين لجهة إقامة النشاطات الانتخابية فيها، أو إنفاق أموال كبيرة لتمويل الدعايات التلفزيونية فيها. وتبين استطلاعات الرأي أن ولايات كانت مضمونة في السابق لمرشح الحزب الجمهوري مثل نورث كارولينا، وجيورجيا، وانديانا (حاكمها مايك بنس، هو نائب ترامب) وميزوري، لم تعد كذلك بالضرورة في هذه الدورة الانتخابية، حيث بدأت حملة كلينتون تنقل الأموال المخصصة للدعايات التلفزيونية من بعض الولايات المضمونة لإنفاقها على الولايات التي تعثرت فيها حملة ترامب منذ المؤتمر العام للحزب الجمهوري قبل شهر.
وحتى الآن لم تبث حملة ترامب أي دعايات تلفزيونية في أي من الولايات المحورية، أي إنها لم تنفق دولارا واحدا على الإعلانات، وإن كان من المتوقع أن تبدأ ذلك خلال هذا الشهر(بعض المنظمات المؤيدة لترامب انفقت 12 مليون دولار على الدعايات المؤيدة له)، بينما أنفقت حملة كلينتون 61 مليون دولار على الدعايات التلفزيونية، إضافة إلى 43 مليون دولار أنفقتها منظمات وجمعيات مؤيدة لكلينتون.
ومع أن حملة ترامب جمعت تبرعات وصلت إلى 80 مليون دولار في شهر يوليو، إلا أن ترامب لا يرى فائدة في الإعلانات التلفزيونية، لأنه شخصيا موجود على شاشات مختلف المحطات. ولكن يعتقد أنه سيضطر إلى إنفاق الأموال على الدعايات في ضوء انحسار شعبيته ومع اقتراب موعد الانتخابات.
في العقود الأخيرة كانت ولايات ساحات المعارك (فلوريدا، أوهايو، وبنسلفانيا، وميتشغان ونيوهامبشر وغيرها) هي التي تحسم نتائج الانتخابات، لأنها ليست مضمونة إلى حد كبير لهذا الحزب أو ذاك. وفي العقود الأخيرة برزت في معظم الولايات أكثريات بسيطة مؤيدة لكل من الحزبين. ونجد أن ولايات كبيرة مثل كاليفورنيا، ونيويورك تكون محسومة مسبقا إلى حد كبير للمرشح الديمقراطي، بينما ولايات مثل تكساس وجورجيا واريزونا على سبيل المثال تكون محسومة مسبقا والى حد كبير للمرشح الجمهوري، على الرغم من وجود بعض الاستثناءات. وهذا يعني عمليا أن المعارك الانتخابية التي تحسم السباق تقع في حوالي 10 ولايات، وليس في الولايات الأربعين الأخرى، التي يتحول بعضها خلال الدورات الانتخابية إلى مراكز لجمع الأموال لتمويل حملة كل مرشح.
معضلة ترامب، هي أن استطلاعات الرأي العام في الأيام الأخيرة أظهرت تقدم هيلاري كلينتون في جميع ولايات ساحات المعارك، وفي بعضها بأكثر من 10 نقاط. كلينتون متقدمة على ترامب في ولاية فلوريدا الهامة بتسعة نقاط، وفي نيوهامبشر بخمسة عشر نقطة. اما في ولاية نورث كارولينا (التي صوتت للمرشح الجمهوري في 8 من آخر 9 دورات انتخابية) نجد أن كلينتون متقدمة على ترامب بتسعة نقاط. كلينتون متقدمة على ترامب لأكثر من 10 نقاط في ولايات ميتشغان وويسكونسن وكولورادو وفيرجينيا. (الرئيس اوباما فاز في 2008 و2012 بفيرجينيا للمرة الاولى منذ 1964 ) .وتبين استطلاعات الرأي أن شعبية ترامب في أوساط الأميركيين من أصل إفريقي تتراوح بين 1 و3 بالمئة، بينما تحظى كلينتون بدعم أكثر من 70 بالمئة من أصوات هذه الأقلية الهامة، كما تحظى كلينتون بتأييد واسع وعميق أيضا في أوساط الأميركيين اللاتينيين . ولا يزال ترامب يحظى بتأييد الرجال البيض متوسطي العمر والدخل، ولكنه لا يبدو أنه قادر على جذب الشباب البيض المتعلمين، والنساء المتعلمات.
واذا لم تكن هذه الارقام والاحصائيات مقلقة بما فيه الكفاية، فإن حملة ترامب تتعرض لعملية “نفض” جديدة بعد تعيين كيلي آن كونواي، وستيفن بانون في مراكز ادارية بارزة في خطوة اعتبرها البعض محاولة لتحجيم بول مانافورت المدير العام لحملة ترامب، لأنه لم ينجح في تحسين اداء الحملة منذ المؤتمر العام للحزب الجمهوري، والاهم من ذلك، بسبب الفضائح المالية التي تحيط به وببعض مساعديه، بعد الكشف عن وثائق تشير إلى احتمال حصوله على حوالي 13 مليون دولار من حكومة الرئيس الاوكراني المخلوع فيكتوزريانوكوفيتش الموالي لروسيا.
ولا تزال المفارقة الأغرب في هذه الدورة الانتخابية، أي الشعبية المتدنية لكل من المرشحين وعدم ثقة اكثرية الأميركيين بهما، من أبرز السمات المؤلمة للمرشحين ولحزبيهما. ولو كانت كلينتون، تواجه مرشحا جمهوريا “تقليديا” مثل جيب بوش لكانت الآن في وضع أسوأ بكثير في استطلاعات الرأي، بسبب انتهاكاتها لأعراف وزارة الخارجية من خلال اقامة نظام اتصالات خاص بها، أو لأنها لم تحافظ على مسافة واضحة قانونيا وسياسيا بين مسؤولياتها كوزيرة للخارجية والجمعية الخيرية التي اسستها مع زوجها بيل كلينتون بعد انتهاء ولايته الثانية. وهناك قلق في اوساط حملة كلينتون من احتمال قيام ويكيليكس بنشر رسائل إلكترونية خلال عملها كوزيرة للخارجية، قبل اسابيع أو ايام من الانتخابات قد تكون محرجة لهيلاري كلينتون، وهذا ما تعول عليه الآن حملة ترامب.
العربية نت