مازالت مسألة العلاقة المستقبلية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, هي محل تكهنات وتخمينات, على الرغم من قيام ترامب بإبداء إعجابه في شخص الرئيس الروسي قبيل تنصيبه رئيساً أثناء خوضه لحملته الانتخابية, حيث يجمع عدد من المحللين السياسيين على كون الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يحمل في جعبته شيئاً لمستقبل العلاقة الأمريكية الروسية في ظل المستجدات الحالية على الساحة الدولية, ولكن الاختلاف حول ماهية ما يخبئه ترامب “للقياصرة الجدد” في الأيام القادمة, هل هي تنازلات, أو أنها عبارة عن إعادة ترتيب أوراق بين الطرفين بحيث تجنب العالم صداماً قد لا يكون واضح النهاية.
بالنظر إلى المسألة من زاوية أخرى نجد أن ما وعد به ترامب أثناء حملته الانتخابية يحتوي إعجابه بروسيا, بل يتجاوز حدود هذه المسألة بحيث يجعل الطموح الأمريكي يتجاوز مسألة بسيطة كمسألة الإعجاب بالرئيس الروسي أو غيره, لأن ترامب طالما أصر على تقديم وعود للأمريكيين بجعل الولايات المتحدة الأمريكية عظيمة مرة أخرى, وهذه العظمة بالتأكيد ستتجاوز المكان, وتعبر الحدود باتجاه الحدود البعيدة التي تقبع داخلها منابع الأزمات السياسية الحالية في العالم, وهنا ستعيد الولايات المتحدة مواقع تمركزها على الساحة الدولية, لتعود وتبدو لاعباً قوياً من جديد يتحكم بمداخل ومخارج الأزمات, الأمر الذي سيجعل الطموح الروسي تحت المجهر الأمريكي بحيث سيقتصر على تأمين المصالح الإقليمية الروسية فقط, بعد أن يكتشف بوتين أن نظرة إعجاب ترامب لم تكن سوى نظرة “ملغومة”.
ماذا يطمح بوتين أن ينال من ترامب؟
يدرك بوتين أن الولايات المتحد ة الأمريكية من تسيّر حلف “الناتو” باعتبارها القوة المركزية الأولى فيه, وبالتالي يريد من ترامب أن يوقف حدود أحلامه خارج الحدود الأوكرانية, بحيث تبقى النفوذ الروسية داخلها, وبعيدة عن متناول قبضة هذا الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من خلال رفع العقوبات المفروضة من قبل الدول الغربية على أوكرانية, كي يتمكن بوتين من نيل الاعتراف بأن شبه جزيرة القرم ككل, هي أراضٍ تحت الحماية الروسية, ويريد بوتين أيضا من ترامب, ألا يقترب من الحدود الروسية الحالية التي تحاول روسيا مدها باتجاه “المياه الدافئة” في البحر المتوسط, بإبقاء النظام السوري الحالي بقيادة “بشار الاسد” أو تقبل طريقة الحل الروسية للأزمة في سورية.
ماذا يريد ترامب من بوتين:
كل ما قدمه ترامب من وعود خلال حملته الانتخابية, وما اتخذ من قرارات بعد تنصيبهه رئيساّ, لا يشير إلى نية ترامب في المدى القريب بالقيام بخطوة عاجلة تنهي الأحلام الروسية في شبه جزيرة القرم, فحتى اللحظة لا يبدو الملف الأوكراني هو مصدر إغراء للإدارة الامريكية الحالية,, ولكن بغض النظر عن هذه المعطيات يدرك ترامب رغبة الحلفاء الغربيين الحقيقيين للولايات المتحدة في حلف الناتو, بمد نفوذ الحلف إلى داخل أوكرانية, ولذلك علينا ألا نلغي فرضية قيام ترامب بوضع حد للأحلام الروسية في شبه جزيرة القرم باتخاذه قرارا مفاجئا يحرج قيادة الكرملين.
هناك من يقول أن الصفقة الروسية-الأمريكية الحقيقية ستكون في سوريا, فدونالد ترامب وعد كثيراً بعزمه “محو الإرهاب” تماماً على حد قوله, وهنا تبدو المصلحة الأمريكية الروسية واضحة, فالروس يدعمون الأسد الذي يحارب تنظيم الدولة الإسلامية الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إنهاء تواجده, لذلك ما هي مصلحة الولايات المتحدة في الوقوف في وجه الرغبة الروسية؟
التعاون الروسي-الأمريكي في سورية هو موجود فعلياً على أرض الواقع من خلال تنسيق الطلعات الجوية بين قاعدتي حميميم وأنجرليك, وتقاسم مناطق النفوذ للطلعات الجوية في سورية بشكل دقيق قبل تولي ترامب وبعد توليه إدارة البيت الأبيض, ولكن من المرجح أن يشكل ترامب حلفاً مع روسيا في حربه المرتقبة في سورية بحيث تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي المهيمنة والمتحكمة في هذا الحلف بحيث تبدو روسيا وكأنها لم تعد مالكة لزمام الأمور كما في السابق, وما سيتلو ذلك من أحداث ستكون تحمل طابع الرؤية الأمريكية في سورية, وقد تكون على حساب الدور الروسي بشكل كبير.
عموما يصعب الحكم على مستقبل العلاقة الروسية-الأمريكية من خلال تحليل المعطيات الحالية, ولكن نستطيع رسم ملامح مبدئية تشير لمستقبل قد يأخذ العالم إلى نفق معتم..
فادي أبو الجود
المركز الصحفي السوري