بدأت معركة حلب بين الجيش السوري الحر وجيش النظام في تموز/ يوليو 2012 وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، وأُطلق عليها في ذلك الوقت “أم المعارك”، نظرا للأهمية الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة التي تحملها مدينة حلب، وعلى الرغم من استمرار الاقتتال الحاد إلى يومنا هذا، إلا أن الجيش الحر لم يتمكن من إتمام السيطرة التامة عليها.
وتخضع حلب، اليوم، إلى حد كبير إلى سيطرة تنظيم الدولة “داعش” وجبهة النصرة ووحدات الحماية الكردية، أما المناطق التي يُسيطر عليها الجيش الحر فهي صغيرة ومحدودة، وتحاول تركيا وبعض الأطراف الأخرى جاهدةً دعم الجيش الحر ليتمكن من إحداث تقدم في حلب، لمنع داعش ووحدات الحماية الكردية وحتى روسيا ونظام الأسد من إسقاط حلب والسيطرة عليها، لما تشكله هذه الأطراف من مخاطر استراتيجية على أمنها واستقرارها الاستراتيجي.
وفي سياق متصل، يُشير الباحث السياسي “سولي أوزال”، في مقاله “ماذا بعد سقوط حلب؟”، نُشرت في صحيفة “خبر ترك”، بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2016، إلى أن الخطر الاستراتيجي المُخيم على تركيا لا يتحدد فقط بالاضطراب الأمني في شرقها وجنوب شرقها الداخلي فقط، بل إن الأزمة السورية وتطوراتها أيضا لها دور كبير في تشكيل الخطر الاستراتيجي على أمنها واستقرارها، معللا ذلك بوجود بعض العناصر الفاعلة “المتعارضة” مع تركيا ومصالحها الاستراتيجية داخل إطار تلك اللعبة.
ويرى أوزال أن حلب بالتحديد تشكل أهمية كبيرة لتركيا وخططها المتعلقة بالتطورات السورية، وذلك لأنها تمتلك حدودا طويلة مع تركيا وتشكل أهمية جغرافية استراتيجية للأطراف التي تسيطر عليها، بمعنى أنه يمكن لتركيا الاستمرار في حماية أمنها واستقرارها بشكل أفضل في حال استمرار الجيش الحر وحلفائه بالسيطرة على بعض المناطق الحلبية الحدودية المحاذية لأراضيها، ولكن إذا سقطت فإن ذلك يعني اختبارا أمنيا جديدا لتركيا لتأمين حدودها وأمنها.
ومن جانبه، يوضح الباحث السياسي “خورشيد دالي”، في مقاله “آثار تقدم وحدات الحماية الكردية على الأمن التركي”، نُشرت على الصفحة الإلكترونية لموقع “الجزيرة ترك”، أن روسيا والنظام السوري ووحدات الحماية الكردية أصبحوا على مشارف تل رفعت القريب إلى منطقة عزاز المتاخمة للأراضي التركية، مشيرا إلى أن ذلك يعني أن ناقوس الخطر بدأ يدق في أنقرة، لصد هذا التقدم الذي يُشكل انقلابا قويا على خطط تركيا الداعمة للثورة السورية، إذ من خلال هذا التحرك يمكن لروسيا والنظام السوري الاتجاه نحو إدلب والبدء في إعادة السيطرة عليها، وإسقاط القلعة المستقلة الوحيدة للجيش الحر الذي تدعمه تركيا من أجل تحقيق أهدافه الثورية وإقامة نظام ديمقراطي غير تابع لأي طرف خارجي والحفاظ على وحدة الأراضي السورية لكبح إقامة أي استقلال انفصالي محتمل.
وفي مقاله “حلب؛ النقطة المفصلية في الأزمة السورية” نُشرت في صحيفة “إيفرنسال”، نُشرت بتاريخ 8 شباط/ فبراير 2016، يُلمح الخبير الاستراتيجي “علي كاراتاش” إلى أن سقوط حلب يعني انقطاع خط الدعم التركي الإنساني واللوجستي للشعب والثورة السوريتين، كما أن ذلك يعني توفير بيئة خصبة لوحدات الحماية الكردية للتقدم نحو الغرب من الفرات وتحقيق ما ترنو إليه من إقامة إقليم كردي مستقل، مبينا أن إقامة مثل ذلك الإقليم تحمل في طياتها مخاطر استراتيجية حادة على تركيا التي تعاني من “إرهاب” حزب العمال الكردستاني، إذ أن الأخير على اتصال وثيق مع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات الحماية الكردية، وهذا ما سيوفر له قاعدة عسكرية جديدة للتدريب والإعداد واستهداف تركيا من عدة جهات.
ويضيف كاراتش أن سقوط حلب يعني تدفق الآلاف من اللاجئين إلى تركيا، وهذا ما سيشكل اختبار إنساني جديد لتركيا التي تُعد الدولة الأكثر استقبالا ً للاجئين السوريين الذين بلغ تعدادهم في الآونة الأخيرة، حسب إحصاءات الأمم المتحدة، ما يقارب 1 مليون و800 ألف لاجئ.
واستنادا ً إلى التحليلات المذكورة أعلاه، يبدو أن تركيا التي تقف اليوم عاجزة عن صد التمدد الروسي الإيراني الملحوظ في سوريا، وكبح حزب الاتحاد الديمقراطي عن توسيع رقعته الجغرافية، أصبحت في حاجة ماسة إلى خطة جديدة لاستيعاب الأزمة السورية، بشكل يحميها من تلك المخاطر التي تحيط بها.
ومن الجدير بالذكر أن عددا ملحوظا من وسائل الإعلام أشارت إلى وجود إمكانية للتدخل التركي السعودي المشترك برا في الأزمة السورية، للحفاظ على موازين التطورات الجارية في سورية لصالحهما، وعلى الرغم من تأكيد البعض على نجاعة هذا التحرك في رأب الخطط الروسية الإيرانية في سورية، إلا أنه يظل مجرد تلويح إعلامي غير منوط بالتصريحات الرسمية للطرفين.
ترك برس