بدراسات علم الاجتماع الحضري هنالك مؤشرات لقياس درجة التحضر في الدول عامة وهي (متوسط دخل الفرد، الصحة العامة، نظام السكن الصحي، المستوى التعليمي والوعي الثقافي مع الاجتماعي، نمط الاستهلاك، استخدام مصادر الطاقة)، لكن هل من دراسات توضح ماهية اضمحلال هذه المؤشرات في المدينة بل وانصهارها بالمظاهر الاجتماعية الريفية إثر حالة النزوح الجماعي في بعض المحافظات السورية من الريف إلى المدينة نتيجة قصف النظام المستمر وتدهور الأوضاع المعيشية، وهل نتيجتها سلبية على الجميع ؟. في الماضي ما قبل الحرب السورية كان الشخص الريفي إذا ما استقر بالمدينة يمكن أن يميزه أفرادها من خلال طريقة اللباس أو التفكير أو أسلوب الحياة والعادات واللكنة والعكس صحيح، إلا أنه بعد اندلاع الحرب السورية وبفضل موجات النزوح المضطردة والحالة المعيشية الصعبة بات سكان الريف والمدينة في بوتقة واحدة عقب توقف الكثير منهم عن أعمالهم التجارية والعلمية وتساويهم بمتوسط الدخل واللجوء للحرف القديمة كمصدر رزق يعوضهم عن صنعتهم الأساسية واستخدام أجهزة وموارد طاقة بديلة بسيطة صنعوها لتلبية حاجاتهم. نَسب علماء الاجتماع الريفي مسمى ” مجتمع القرية ” للمجتمع الريفي الذي يعيش في مستوى تنظيم منخفض ويعمل سكانه بالزراعة والصيد فمعظمهم فلاحين ورعاة، بينما الآن في سوريا ظهرت هذه الملامح الاجتماعية ضمن مجتمع المدينة وأصبح نمط الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية متقارب جداً بين سكان الريف والمدينة. ولعل من أبرز تلك الظواهر الريفية الواضحة للعيان ضمن المدينة، الجلسات على أبواب المنازل في الصباح للنساء بالأخص المسنات وفي المساء للرجال من باب الاطمئنان على أحوالهم في ظل انتقالهم من قراهم إلى أجواء جديدة عليهم وأحياناً جلوسهم بالحدائق لساعات، ولعب أطفالهم في أزقة الطرقات في حاراتهم لحين غروب الشمس لأنهم معتادين على أماكن سكنهم الماضية المتواجدة بأكثرها في رقعة أرض زراعية كانوا يقضون مجمل أوقاتهم فيها، هذا غير تنقلات النساء الريفيات لزيارة بعضهن بلباسهم التقليدي ( عباءة فضفاضة ملونة، جلابية فلاحية أو تنانير طويلة)، حتى الرجال بالجلابيات والعمامة والعقال بما أنها رمز على اللباس الشعبي لديهم وتندرج ضمن تقاليدهم. فضلاً عن اصطحاب الكثير منهم لرؤوس القطيع المتبقية لديهم فشاع في المدينة مظهر الراعي الذي يرعى قطيعه في الحدائق العامة بما أن العشب طعام لقطيعه من خراف أو ماعز وغيرها ولو كان عدد قليل منها، ومثلما عاد الشعب السوري عهودا للوراء عقب قطع النظام عنه الماء والكهرباء والاتصال في المناطق الخارجة عن سيطرته، عاد سكان الريف بسكان المدينة لذكريات قديمة قرضها زمن الموصلات الحديثة والسريعة قبل الثورة من خلال ظهور الطنبر في شوارع المدينة الذي هو عبارة عن عربة خشبية يجرها حمار وهي وسيلة نقل وتنقل كانت لمعظم سكان الريف. أبو محمود من ريف حلب يقول:” بعدما اتخذت من مدينة إدلب سكناً لي مع عائلتي، أصبح حالي كحال العشرات النازحين غيري ، عندما بنينا خيمة أو غرفة صغيرة (كشك) على أطراف الأرصفة أو في الحدائق وجعلناها وسيلة رزق نقتات منها لقمة عيشتنا”. مدينة إدلب تجلت بها المشاهد المذكورة أعلاه ككل نتيجة لخضوعها منذ أشهر إلى الآن لهدنة جعلتها الملاذ الآمن الذي لجأ إليه الكثير من أرياف حلب، حمص حماة جراء المعارك الدائرة هناك بين عدة أطراف متنازعة، فكانت المنبر الأوسع الذي اندمجت به سلوكيات ومؤشرات الحياة الريفية والحضرية، ولا سيما باندماجها هذا غدت مظهرا جديدا إيجابيا يدل على التماسك والتأقلم اللذين أبداهما الفرد السوري داخل وخارج بلاده.
المركز الصحفي السوري – محار الحسن