نشرت الولايات المتحدة قوات أمريكية خاصة على طول الحدود السورية في محاولة لردع تركيا عن القيام بمزيد من الهجمات ضد حلفائها الأكراد السوريين، لكن ذلك لم يفعل شيئا يذكر لتقليل العزم التركي، إذ أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن “حزنه الشديد” من صور القوافل العسكرية الأمريكية ترفع العلم الأمريكي ويرافقها أفراد من وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، لكن تركيا ستواصل حربها ضد “الإرهابيين”.
وفى تعليق منفصل قبل زيارته الرسمية للهند قال أردوغان “قد نأتي بغتة في ليلة ما”. هذه العبارة المقتبسة من كلمات أغنية تركية عاطفية لم تستخف بها وحدات حماية الشعب التي ما تزال تعاني من موجة من الضربات الجوية التركية في 25 أبريل/ نيسان على جبل كاراتشوك بالقرب من مدينة ديريك، مما أدى إلى قتل 25 مسلحا.
لم تُنسق تلك الهجمات مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولم يمنحه الجيش التركي سوى 52 دقيقة لإبعاد قواته عن الضربة. وقد أثار هذا التحرك من جانب واحد غضبا عميقا بين مسؤولي الإدارة الأمريكية، ودفع الجيش الأمريكي إلى الانتشار على طول الحدود في عرض غير مسبوق للتضامن مع وحدات حماية الشعب.
إن الوجود الأمريكي يجعل من غير المرجح أن تتحرك تركيا ضد وحدات حماية الشعب في المناطق التي تسيطر عليها شرق مدينة منبج. وتفيد التقارير بأن القوات التركية تتجمع عبر بلدة تل أبيض الحدودية، لكن هذه الأعمال أكثر ارتباطا بالعرض التركي لمساعدة التحالف على طرد تنظيم داعش من الرقة. أقصر طريق للقوات التركية للوصول إلى الرقة يأتي عبر تل أبيض. وتضغط تركيا على الولايات المتحدة للاستغناء عن قوات سوريا الديمقراطية ” قسد” والانضمام إلى تركيا وقوات الجيش السوري الحر بدلا منها. ومن المتوقع أن يجدد أردوغان العرض عندما يلتقي الرئيس دونالد ترامب في واشنطن في 16 مايو/ أيار. لكن مسؤولين في الإدارة الأمريكية تحدثوا إلى “المونيتور” بشرط عدم الكشف عن هويتهم، وصفوا المخطط التركي بأنه فكرة غير قابلة للتطبيق.
ويقال إن القوات التركية وحليفها الجيش السوري الحر يركزان بدلا من ذلك على بلدة تل رفعت الواقعة بين جيب عفرين الذي يسيطر عليه الأكراد والباب وإعزاز، وكلاهما معقلان لعملية درع الفرات التي تقودها تركيا بمشاركة قوات تركمانية وعربية. سقطت مدينة تل رفعت في يد وحدات حماية الشعب وشركائها العرب في كانون الثاني/ يناير 20166، بعد أن كان يسيطر عليها مجموعات من المتمردين ضمت جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وحركة أحرار الشام.
تعتزم وحدات حماية الشعب ربط عفرين بالأراضي التي تحتلها شرق منبج، ما يعني خلق رقعة مترابطة من الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. وقد أحبطت تركيا تلك الخطط عندما دخلت قواتها جرابلس في أغسطس/ آب 2016، ثم استولت على مدينة الباب في شباط/ فبراير بعد معركة طويلة ودامية ضد داعش. وإذا انتزعت تركيا تل رفعت، فإن ذلك سيجعل إقامة ممر كردي أكثر صعوبة. وقال نيكولاس هيراس، وهو زميل بارز في مركز الأمن الأمريكي الجديد، لـ”المونيتور” إن “تل رفعت هي النقطة التي يمكن للجيش التركي أن يتحصن فيها ويحاصر عفرين”.
وقال قائد في قوات سوريا الديمقراطية لـ”المونيتور” إن عملية تركية تستهدف تل رفعت كانت جارية وإن المستشارين العسكريين الروس في سوريا حذروهم من الهجوم التركي “الوشيك”. وقال القائد إن القوات التركية والجيش السوري الحر ستتحرك إلى تل رفعت على الأرجح من مواقعها بالقرب من الباب وإعزاز. وقد دعت روسيا وحدات حماية الشعب إلى السماح لقوات النظام السوري بالانتقال إلى المنطقة لاستباق أي من هذه التحركات، لكن قوات سوريا الديمقراطية رفضت ذلك.وفي فبراير/ شباط نفت قسد تقارير تفيد بأنها سلمت السيطرة على تل رفعت لقوات النظام السوري ورفعت العلم السوري لوقف تقدم درع الفرات.
لا تمتلك الولايات المتحدة أي تأثير في شمال غرب سوريا، وليس لديها ما تفعله لمنع تركيا من طرد وحدات حماية الشعب من تل رفعت أو عفرين إذا اختارت ذلك، لكن روسيا التي تسيطر على المجال الجوي لهذه المنطقة فيمكنها ذلك. ومن ثم عندما كثفت القوات التركية هجماتها المدفعية عبر الحدود على عفرين في مارس/ آذار، انتشرت القوات الروسية في قرية بلبل شمالي عفرين بالقرب من الحدود التركية. وادعت روسيا أن ذلك يأتي في إطار جهودها لمراقبة وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في سوريا. وبالمثل حركت روسيا قواتها إلى قرى غرب منبج جنبا إلى جنب مع بعض قوات النظام، مرة أخرى لدرء هجوم تركي.
ووفقا لمصادر في قوات سوريا الديمقراطية، فقد حذرت روسيا وحدات حماية الشعب من أنه ما لم تسمح لقوات النظام السوري بدخول تل رفعت، فإنها لا يمكن أن تضمن حمايتها من هجوم تركي. وقال قائد في قسد: “إن الروس يقولون أشياء مختلفة إلى مختلف الأطراف، بيد أن الهدف على ما يبدو هو منح سيطرة أكبر للنظام”.
كل ذلك يعزز التخمينات بشأن صفقة روسية- تركية محتملة حول إدلب المتاخمة لتركيا، وتهيمن عليها هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقا”، التي ما تزال تشكل أخطر تهديد للنظام السوري. وقد أشار سام هيلر، وهو زميل بارز في مؤسسة القرن في بيروت، إلى أنه إذا لم يكن من الممكن هزيمة الهيئة من داخل إدلب، فربما يمكن هزيمتها من دونها، وتبدو تركيا في وضع أفضل للتدخل وطردها.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تفعل تركيا ذلك فعليا، يقول بعض المحللين إن تركيا يمكنها أن تساعد روسيا في إنهاء هذه المهمة. وقال فابريس بالانش، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، للمونيتور: “إذا كانت روسيا تريد قصف أهداف لهيئة تحرير الشام القريبة من الحدود وجبل التركمان، فإن الوصول إلى المجال الجوي التركي سيوسع مساحة المناورة”. وأضاف بالانش: “لا ننسى أن تركيا أسقطت طائرة روسية في نوفمبر تشرين الثاني عام 2015 عندما خرقت المجال الجوي التركي في محاولة للقيام بذلك”.
وتوقع بالانش أنه وفقا لهذه الصفقة يمكن أن نرى قوات النظام تتحرك إلى تل رفعت، وهو ما من شأنه أن يبدد المخاوف التركية حول ربط الأكراد لمناطق سيطرتهم، وأن تواصل القوات الروسية الدفاع عن عفرين من القصف التركي. لكن كل خطة من هذه الخطط تنطوي على عيب كبير، فماذا سيحدث لو استخدم الروس المجال الجوي التركي وانتهى بهم المطاف إلى قتل مئات المدنيين، كما يفعلون في كثير من الأحيان؟ ستتأثر مصداقية تركيا مع المعارضة السورية تأثرا كبيرا، وسوف يلجأ مئات الآلاف من السوريين إلى تركيا التي تستضيف بالفعل نحو ثلاثة ملايين سوري فروا من الحرب.
وقال هيراس: “إن روسيا لا تحتاج إلى المجال الجوي التركي لاستهداف هيئة تحرير الشام، وما يفيد روسيا أكثر أن تمدها المخابرات التركية بمعلومات حول مواقع قادة الهيئة البارزين”. لكن روسيا والنظام يستهدفان جماعات المعارضة المسلحة عموما، دون النظر إلى انتمائهم إلى تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة (داعش). ويشير هيراس إلى أنه لو قرر الروس جعل تنظيم القاعدة أولوية لهم، فسيكون ذلك تحولا في أولويات الاستهداف. وهذا ما ستقبله الولايات المتحدة التي تنظر إلى هيئة تحرير الشام بوصفها خطرا مثل داعش. وهكذا، يمكن لتركيا أن ترى ذلك على أنه فرصة لتحسين موقفها في واشنطن أيضا.
ترك برس