تلقى المشروع الإقليمي الذي عملت عليه إيران لأكثر من عقدين، ضربتين بالغتين بعد تراجع قوة حزب الله اللبناني وسقوط نظام المخلوع بشار الأسد في سوريا، ترافق هذا مع صعود الدورين السعودي والتركي في ظل وصول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمهوري إلى البيت الأبيض.
عوامل دولية ضد إيران
جسدت صلاة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في المسجد الأموي في العاصمة السورية دمشق آواخر أيار (مايو) الماضي برفقة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ذروة تقهقر المشروع الإيراني، بالمقابل يستمر ترامب في تنفيذ خطة انسحابه من شمال شرق سوريا، والذي ستستفيد منه كلًّا من الإدارة السورية الجديدة وتركيا بالدرجة الثانية وهما بطبيعة الحال حليفين، ومن المتوقع أيضًا أن يشرع في تقليص الوجود الأميركي في العراق مع قدوم شهر أيلول (سبتمبر) 2025، مما سيضعف نظام الحكم العراقي الموالي لإيران، خاصة وأن ترامب يتجه لحصر بقاءه في العراق ضمن أربيل في إقليم كردستان، وعلى الحدود العراقية السورية.
تقوم سردية الإدارة السورية الجديدة على أنها ساهمت في إزاحة إيران عن المشهد السوري، وهذا ما ساهم إلى حد كبير في رفع مستوى التنسيق مع السعودية، وترك انطباعًا إيجابيًّا لدى إدارة ترامب التي تتبنى سياسات ضغط كبيرة ضد إيران، وتطمح أيضًا لتقليص نفوذها في العراق على غرار ما حصل في لبنان وسوريا، وبالتالي فإن مجمل التطورات الدولية والإقليمية تعاكس المصالح الإيرانية.
استثمار إيراني
قبيل إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني المؤسس عبد الله أوجلان إلقاء السلاح، استبق وزير الخارجية التركية هاكان فيدان الإعلان، ووجه رسائل تحذيرية لإيران خلال مقابلة تلفزيونية، وطالبها بالكف عن استغلال بعض الجماعات للتأثير على دول أخرى، ملمحًا إلى قدرة تركيا أيضًا على ممارسات السياسة ذاتها.
فيما يبدو، لم تلق التحذيرات التركية أذانًا إيرانية صاغية، حيث تشير المعلومات من الساحة العراقية إلى أن إيران تستثمر في الانقسام الحاصل ضمن حزب العمال الكردستاني بخصوص تطبيق إعلان أوجلان المتضمن إلقاء السلاح، فهناك تيار رافض بحجة أن تركيا مستمرة في عملياتها شمال العراق، ولا يوجد ضمانات بوقف استهداف قيادات الحزب حال التزمت بالتوقف عن العمليات العسكرية.
تضغط إيران باتجاه إبقاء بعض التشكيلات التابعة للحزب التي تنشط شمال العراق على سلاحها، لأنها لا ترغب بترك فراغ كبير لتملأها أنقرة وحليفتها أربيل، ولا يزال حلفاء إيران العراقيين يسهلون مرور بعض الأسلحة إلى تشكيلات تتبع للعمال الكردستاني تنشط شمال شرق سوريا.
انفتاح إيراني على مصر
من الواضح أن الانفتاح الإيراني مؤخرًا على مصر يختبر إمكانية تعزيز التقارب، ومدى استعداد مصر للتخلي عن تحالفها التقليدي مع دول الخليج، خصوصاً السعودية، وهذا سيكون بمثابة اختراق إقليمي كبير لإيران.
لأجل الغرض السابق، أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي زيارة إلى مصر مطلع حزيران( يونيو) الجاري، تبعها اتصال هاتفي بين الرئيسين الإيراني والمصري، في وقت ازداد فيه التراشق الإعلامي عبر منصة “أكس” بين نشطاء مصريين وسعوديين، مما يعكس اتساع الفجوة بين الجانبين، وفيما يبدو، تحاول إيران إعادة صياغة نفوذها في الإقليم بعد شعورها بتقلصه إلى حد غير مسبوق خلال آخر عقدين، وبالتالي موازنة الدورين السعودي والتركي عبر تطوير العلاقة مع دولة وازنة مثل مصر.
يبدو جليًّا أن إيران تقاوم لتجنب خسارة المزيد من النفوذ لصالح تركيا والسعودية، وإعادة تشكيل نفوذها الإقليمي، لكن نجاح هذا النهج يحول دونه عقبات كثيرة، أبرزها تأييد إدارة ترامب لتقليص نفوذ إيران ودعمها للدورين التركي والسعودي في الإقليمي، إضافة إلى أن مصر لن تذهب على الأغلب باتجاه تلبية رغبة إيران بعقد تحالف معها يستهدف دول الخليج العربي لإدارة نظام الحكم المصري الحالي الارتدادات السلبية لمثل هكذا قرار.