تصاعد القلق الأميركي من مغبة استمرار العمليات القتالية في سوريا، إثر تحذيرات مفاجئة لروسيا أطلقها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قال فيها إن “صبر الولايات المتحدة محدود جدا”.
ويقول مراقبون إن توجيه هذه التحذيرات إلى موسكو ودمشق يحمّل الطرفين المسؤولية الرئيسية في تفاقم أعمال العنف والفشل في إعادة تثبيت الهدنة التي كان اتفق عليها في 27 فبراير الماضي.
وجاءت تصريحات كيري خلال زيارة للنرويج وإثر لقائه نظيره الإيراني محمد جواد ظريف.
وقال كيري إن “على روسيا أن تفهم أن صبرنا ليس بلا حدود. وفي الواقع هو محدود جدا في ما يتعلق بمعرفة ما إذا كان الأسد سيوضع أمام مسؤولياته أم لا” على صعيد التزام وقف إطلاق النار.
وهذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها الولايات المتحدة الأطراف السورية دون أن يكون لتهديدها وقع مباشر على الأزمة.
وذهب كيري هذه المرة إلى التعبير عن استعداد بلاده “لمحاسبة مقاتلي المجموعات المسلحة من المعارضة” الذين يشتبه في ارتكابهم انتهاكات، أو الذين “يواصلون المعارك في انتهاك لوقف إطلاق النار”.
وجاءت التحذيرات الأميركية فيما تتحدث الأنباء عن استعدادات للجيش السوري والقوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها لفتح معركة حاسمة في حلب.
وفي وقت تسربت فيه عن اجتماع وزراء الدفاع في سوريا وروسيا وإيران في طهران موافقة موسكو على تغطية جوية لهذه المعركة، كشف كيري أن بلاده تعمل على اتفاق لإحياء وقف إطلاق النار، وتأمل بالتوصل في غضون الأسبوعين المقبلين إلى ما سيسرع وتيرة إيصال المساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين.
ولفت مراقبون إلى أن الوزير الأميركي، الذي قال إنه لن يطلق أي وعد يلزمه، ذكر أن مباحثاته مع نظيره الإيراني جعلته يعتقد “أن هناك سبلا للتوصل إلى ذلك”.لكن محللين قالوا إن تصريحات كيري تستهدف إيران أيضا.
واعتبر الخبير الروسي أن تصريح كيري “قد يكون موجها إلى إيران لتلعب دورا إيجابيا في تحقيق العملية السياسية في سوريا، فروسيا وأميركا حريصتان على طلب الانغماس في الشأن السوري بطريقة بناءة من جميع الأطراف الإقليمية”.
ويرى سوكيانين أن موسكو وواشنطن تعملان على تسريع العمل الدبلوماسي لإيجاد حل دائم في سوريا قبل مغادرة أوباما الحكم.
وقال دبلوماسيون غربيون إن مدة اجتماع الوزيرين، التي استغرقت 70 دقيقة، تحمل على الاعتقاد بأن المباحثات تجاوزت مسألة العقوبات (خاصة المصرفية) ضد إيران لتطال الملف السوري، وأن كلام كيري عن “السُبل الممكنة” قد يعكس مساومات يجري إعدادها مع طهران.
ويرى المحلل السياسي سامي نادر أن المشهد أصبح معقدا إلى درجة أن هناك حالة متشائمة حول إمكانية إيجاد الحل في ظل إدارة أوباما.
وقال لـ”العرب” إن كيري “سبق وقال كلاما مماثلا، ولكن ما الذي يمكن انتظاره من إدارة على وشك الخروج من البيت الابيض؟”.
وتعتقد أوساط مراقبة أن هناك ضغطا داخليا أميركيا لتثبيت إطلاق النار وتحييده عن مسار المفاوضات، وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة “راند” القريبة من البنتاغون مؤخرا.
ويعتقد خبراء عسكريون أن مطلب وقف إطلاق النار بات مصلحة عسكرية أميركية بعد الكشف عن وجود قوات أميركية وفرنسية وألمانية بصفة مستشارين لدعم “قوات سوريا الديمقراطية”، وأن الحاجة إلى تحقيق إنجاز ضد مواقع داعش بات مطلبا يتصل بالأمن الاستراتيجي المباشر للدول الغربية.
وتعزز هذا المطلب بعد تعرض مدن أوروبية لهجمات التنظيم، كان آخرها الهجوم على ملهى في أورلاندو في الولايات المتحدة راح ضحيته أكثر من مئة ضحية بين قتيل وجريح.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن القوات الخاصة الفرنسية تقوم ببناء قاعدة عسكرية لقواتها بالقرب من مدينة عين العرب (كوباني)، وأن غالبية المستشارين موجودون بمنطقة سد تشرين على ضفاف نهر الفرات جنوب شرق منبج.
وترى أوساط دبلوماسية غربية أن مسارعة دمشق إلى إدانة تواجد مجموعات غربية على الأراضي السورية واعتباره “تدخلا سافرا يشكل انتهاكا صارخا لمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة وعدوانا صريحا على سيادتها واستقلالها، قد يتجاوز رد الفعل الروتيني ليعبر عن قلق دمشق وطهران وموسكو من إمكانات توسّع الحضور الأطلسي في الميدان السوري.
العرب