مع إقفال النظام السوري وحلفائه ملف تهجير مدينة حلب، تتجه الأنظار إلى محافظة إدلب، التي تتخوّف المعارضة من قيام النظام بدعم إيراني وروسي بحملة عسكرية ضدها بعد تجميع كل المعارضين فيها، وهو ما ألمح إليه أيضاً المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الذي قال بشكل صريح إن “إدلب يمكن أن تصبح حلب التالية”. ويتزامن هذا التحذير مع إجلاء سكان بلدتي الفوعة وكفريا من ريف إدلب والذين كانوا يشكلون عامل ردع للنظام وحلفائه عن القيام بعمل عسكري كبير ضمن محافظة إدلب.
تأتي هذه التطورات بعد الاجتماع الثلاثي الروسي الإيراني التركي الذي شهدته موسكو، يوم الثلاثاء، والذي أنتج إعلاناً عن تحرك لدعم مسار سياسي “لحل سوري”، فيما بدا أن الأطراف الثلاثة المعنية تسعى لتوسيع قاعدة الداعمين لهذا التحرك، عبر لقاءات شهدها يوم أمس. وتبدو روسيا مندفعة لزيادة الدول المنخرطة في بيان موسكو بتوجيه دعوة لمن يرغب بالانضمام وخصوصاً السعودية، مع سعيها إلى استثمار انتصارها الميداني في حلب لرعاية حل سياسي تمتلك فيه معظم أوراق القوة.
وبعد مشاركته في الاجتماع الثلاثي، التقى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أمس الخميس، نظيريه السعودي عادل الجبير، والكويتي، صباح خالد الحمد الصباح، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، يوسف العثيمين، وبحث معهم آخر المستجدات على الساحة السورية، وذلك قبيل الاجتماع الطارئ الذي عقدته اللجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي في مقرها في مدينة جدة السعودية أمس.
”
جاويش أوغلو: فكرة جمع المعارضة والنظام حول طاولة واحدة، خطوة مكملة لمحادثات جنيف للسلام
” وأشار جاويش أوغلو، في تصريح خلال افتتاح اجتماع اللجنة، إلى وجود توافق تركي روسي إيراني حول فكرة تعميم اتفاق وقف إطلاق النار وإجلاء المحاصرين وإيصال المساعدات الإنسانية إلى عموم سورية. كما لفت إلى وجود اتفاق مبدئي لجمع المعارضة وممثلين عن النظام حول طاولة المحادثات مجدداً، مشيراً إلى أن الحل السياسي للحرب السورية هو السبيل الأفضل لإنهاء الصراع الدائر في البلاد. واعتبر أن فكرة جمع المعارضة والنظام حول طاولة واحدة، خطوة مكملة لمحادثات جنيف للسلام، وأنّ موسكو وأنقرة وطهران تشجع كافة الأطراف المعنية بالصراع السوري على المشاركة في هذه المحادثات.
من جهته، قال الأمين العام للمنظمة، يوسف العثيمين، إن “ممارسات النظام السوري شرقي حلب ترتقي إلى جرائم حرب”، لافتاً إلى أن “على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه ما يحدث في حلب وإرسال مراقبين دوليين”.
من جهته، طالب وزير الخارجية الكويتي، صباح خالد الحمد الصباح، النظام السوري بـ “السماح بممرات آمنة للمدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية”. ووصف الصباح ما يجري في سورية بأنه “الأسوأ في التاريخ المعاصر”.
في هذا الوقت، كان وفد إيراني برئاسة نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين جابر أنصاري، يزور رئيس النظام السوري بشار الأسد ويبحث معه التطورات. واعتبر الأسد خلال اللقاء أن “استعادة كامل السيطرة على حلب يمثل انتصاراً لروسيا وإيران” بقدر ما هو انتصار لنظامه.
معركة فتاكة
في غضون ذلك، كان المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، يحذر من أن إدلب “يمكن أن تصبح، نظرياً، حلب التالية”. ولفت خلال مؤتمر صحافي أمس إلى أن وقف الأعمال القتالية في مختلف أنحاء سورية ضروري لتفادي معركة فتاكة أخرى كتلك التي شهدتها حلب ولإعادة عملية السلام إلى مسارها. وأوضح “أننا نخطط لإعادة إطلاق العملية السياسية في سورية في الثامن من فبراير/شباط المقبل، ولدينا فرصة جيدة لتحقيق مفاوضات سورية جادة في فبراير”، معتبراً أنه “آن الأوان لإطلاق العملية السياسية في سورية”.
واعتبر، أن “لروسيا دوراً هاماً نظراً لتواجدها العسكري والسياسي في سورية”، مرحباً “باجتماع موسكو والدعوة لمحادثات أستانة”، قائلاً إن (وزير الخارجية الروسي) سيرغي لافروف، أبلغ نظيره الأميركي، جون كيري، حيثيات اجتماع موسكو.
وعن حلب، أعرب المبعوث الأممي عن أمله “أن تنتهي مأساة حلب قبيل احتفالات أعياد الميلاد”، إضافة إلى تمنياته “لو كان مجلس الأمن أكثر وحدة إزاء التعامل مع ما يجري في حلب”. واعتبر أن “اليوم (أمس الخميس) يعد حاسماً في ما يتعلق بإجلاء المدنيين والمقاتلين من شرقي حلب وأن معظم من تم إجلاؤهم من أحياء حلب الشرقية وصلوا إلى ريفها الغربي تحت سيطرة المعارضة”.
جاء ذلك فيما كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يقول إن المساعدات العسكرية الروسية لقوات النظام السوري “ساهمت في إحراز انتصارات عدة في محاربة الإرهاب”.
من جهته، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن موسكو لا تبحث مستقبل الأسد في محادثاتها مع إيران وتركيا، فيما ذكر وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن 35 ألف مسلح قُتلوا نتيجة القصف الجوي الروسي وأن طائرات تابعة لسلاح الجو الروسي “وجّهت 71 ألف ضربة لمواقع الإرهابيين (في الأراضي السورية)، ودمرت إبان ذلك 725 معسكراً تدريبياً، و405 مصانع ومعامل لإنتاج الذخيرة، و15 ألف آلية عسكرية”.
حلّ وفق جنيف
مقابل ذلك، دعت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة في بيان إلى محاربة الحرب الإعلامية الروسية ومحاولتها تقليص دور الأمم المتحدة، معتبرة أن روسيا وإيران تحاولان تقليص دور الأمم المتحدة وإطالة معاناة الشعب السوري، مستخدمتين سورية من أجل أطماعهما التوسعية ومصالحهما السياسية. وأكدت الهيئة في بيان تأييد المعارضة بالنيابة عن السوريين الذين يرفضون العنف، لحل سياسي يتم التوصل إليه من خلال التفاوض في جنيف، مبدية ترحيبها بإصرار المبعوث الدولي، ستيفان دي مستورا، على استئناف العملية السياسية على اعتبارها السبيل الوحيد للوصول إلى سورية خالية من الإرهاب والحروب التي يشنها الآخرون على أرضها.
من جهته، قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض، بدر جاموس، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه “لم تتم، حتى الآن، دعوة أحد حسب علمي إلى مؤتمر كازاخستان، ولكن مجرد خروج الملف من تحت ظل الأمم المتحدة يعني خطر عدم وجود ضامن لما يتم الاتفاق عليه”، مضيفاً: “حتى لو افترضنا أن اجتماع كازاخستان هو لصالح السوريين، فيجب أن يكون بناء على القرارات الدولية، خصوصاً بيان جنيف الذي يضمن انتقالاً سياسياً حقيقياً وليس العودة لعباءة النظام”.
في غضون ذلك، رأى المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، أن الدول الثلاث التي اشتركت في صياغة بيان موسكو هي دول تختلف مع بعضها أساساً على الملف السوري ولكل دولة منها توجهاتها الخاصة، بدليل إفشال إيران لاتفاق تهجير المدنيين من حلب وفرض شروط عليه، موضحاً أن موسكو أصبح لديها قناعة أن الوضع العسكري لا يمكن ضبطه في سورية وأن كل ما قامت به في سورية سياسياً وعسكرياً لم ينجح في أخذ قرار النظام السوري من يد الإيرانيين.
ولفت إلى أن “أمام كل الضغوط التي تُمارس عليها من الغرب أصبحت روسيا تبحث عن حل سياسي في سورية مستغلة انتصارها في حلب كي لا تذهب إلى مزيد من الانغماس في المستنقع السوري”، معتبراً أن “إيران ليس لديها أي خيار سوى الخيار العسكري لأن أي حل سياسي سيودي بالأسد، ولكنها تساير سياسياً كي تبقى القرارات التي تؤخذ تمر عبر طهران. ورأى أن “مؤتمر كازاخستان محكوم عليه بالفشل لثلاثة أسباب، أولها أنه يُعقد من دون مظلة دولية، والثاني أنه لا يعتمد على مبادئ جنيف، والسبب الثالث أنه لا يلقى دعماً من الغرب والولايات المتحدة”.
تهجير بلا رقابة
لم يتضح بعد دور المراقبين الدوليين الذين من المفترض أن تكون مهمتهم مراقبة عملية الإجلاء
” ميدانياً، استكملت، مساء أمس الخميس، آخر عمليات تهجير من تبقى من سكان القسم الشرقي المحاصر من حلب والتي عطّلت الظروف الجوية السيئة استكمالها، أول من أمس الأربعاء، فيما من المقرر بحسب التعديل الإيراني على الاتفاق أن تُستكمل عملية تهجير حلب بتهجير 1500 شخص من سكان مضايا والزبداني في ريف دمشق إلى إدلب، يقابلهم إجلاء 1500 من سكان بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب إلى مناطق النظام في ريف حلب.
ولم يتضح دور المراقبين الدوليين الذين من المفترض أن تكون مهمتهم مراقبة عملية الإجلاء، على الرغم من تأكيد المتحدث باسم الأمم المتحدة في جنيف يانس لايركه يوم أمس أن “الأمم المتحدة أرسلت عشرين موظفاً إضافياً إلى شرقي حلب لمراقبة الإجلاء”، لافتاً إلى أن بعضهم وصل الأربعاء، وسيصل آخرون في الأيام المقبلة. من جهته، قال المستشار الخاص للمبعوث الأممي الخاص إلى سورية، يان إيغلاند إن “31 موظفاً أممياً سينضمون إلى المائة الموجودين حالياً في حلب لمراقبة خروج المدنيين”، دون أن يوضح ما هي مهمتهم. بينما قال عضو في المكتب الإعلامي للدفاع المدني في حلب لـ “العربي الجديد” إن أياً من مراقبي الأمم المتحدة لم يصل إلى منطقة الإخلاء في حلب.
العربي الجديد-عبسي سميسم