وقد أفشلت المعارضة السورية محاولات “دق الأسافين” من قِبل الروس والإيرانيين والموفد الأممي ستيفان دي ميستورا، من أجل تشتيت تمثيل المعارضة، ونزع الشرعية عن الهيئة العليا للمفاوضات لتمرير تسويات لا تلبي الحد الأدنى من مطالب قوى الثورة والمعارضة، وتكرّس نفوذاً روسياً وإيرانياً في سورية، ترى المعارضة أنه يرقى إلى مستوى الاحتلال العسكري المباشر.
ودعت الهيئة العليا في ختام اجتماعات لها في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض الجمعة والسبت، إلى “الحفاظ على وحدة المعارضة السورية الوطنية، والعمل على تحقيق انتقال سياسي حقيقي بناء على مرجعية بيان جنيف لعام 2012 والقرارات الأممية ذات الصلة”. وحذرت من محاولات النظام استغلال المبادرات والجهود الدولية لكسب الوقت والاستمرار في انتهاك الحقوق الأساسية للشعب السوري، مؤكدة في بيان لها، أن “الشروع في المفاوضات يتطلب الجدية، واتخاذ إجراءات ملموسة لبناء الثقة عبر الالتزام بالهدنة، وتنفيذ مضامين البنود 12 و13 و14 من القرار الدولي 2254 والتي تنص على حماية المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وضرورة ان يشعر الشعب السوري بتحسن ملموس على الأرض يمهد للشروع في أية عملية تفاوضية”، وفق البيان.
هذه المطالب هي ذاتها التي سبقت جولة جنيف الثالثة في أبريل/نيسان من العام الماضي والتي لم يلتزم بها النظام، وهو ما دعا الهيئة إلى تعليق مشاركتها فيها، متهمة النظام وحلفاءه بضرب القرار الدولي 2254 بعرض الحائط، مشيرة إلى أنها لم تأت إلى جنيف لتوقيع “وثيقة استسلام”، أو تقاسم للسلطة مع النظام.
وأوضحت الهيئة في بيانها بعد اجتماع الرياض، أن المجتمعين “أكدوا تمسكهم بوحدة الأرض السورية، ووحدة النسيج الاجتماعي السوري، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة بوصفها ملكاً للشعب السوري، مؤكدين أن الهدف من المفاوضات هو تحقيق الانتقال السياسي تحت رعاية أممية، ورافضين أي تدخل خارجي يطرح دستوراً أو وثائق نيابة عن الشعب السوري في ما يخص رؤيته لمستقبله ومستقبل وطنه”.
وحاولت موسكو خلال لقاء أستانة أواخر الشهر الماضي، فرض دستور كتبه خبراء روس لسورية، وهو ما أثار موجة استنكار واسعة لدى أوساط المعارضة السورية، التي اعتبرت “الدستور الروسي” محاولة لفرض وصاية روسية على سورية، وتكريس ما تراه المعارضة احتلالاً روسياً للبلاد. وجددت الهيئة المطالبة “بخروج جميع القوات والمليشيات الأجنبية وجماعات المرتزقة، مؤكدين موقفهم ضد الإرهاب بكل أشكاله”، مؤكدة أنه “لا دور على الإطلاق لبشار الأسد وزمرته في مستقبل سورية”، داعية إلى “محاكمتهم”، وفق البيان. وأكدت الهيئة أنها حددت أعضاء الوفد المفاوض الذي يبلغ قوامه واحداً وعشرين عضواً “يمثلون مختلف المكونات العسكرية، والمدنية السورية”، وتشكيل وفد استشاري “يضم عشرين عضواً من الاختصاصيين في الشؤون السياسية، والقانونية، والعسكرية”، وفق البيان.
وكُشف عن أسماء أعضاء وفد المعارضة إلى الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، إذ يترأس عضو الهيئة السياسية في الائتلاف نصر الحريري الوفد، فيما ستكون أليس مفرج من هيئة التنسيق نائبته، ومحمد صبرا (مستقل) كبير المفاوضين. وأشارت المصادر إلى أن قائمة الوفد تتضمن: محمد الشمالي من المجلس التركماني وهو عضو في الائتلاف، وفؤاد عليكو من المجلس الوطني الكردي وهو أيضاً عضو في الائتلاف، وعبد المجيد حمو من هيئة التنسيق، نشأت طعيمة من هيئة التنسيق، وعبد الأحد صطيفو من الائتلاف، وخالد محاميد (مستقل)، وبسمة قصماني (مستقلة)، وعلاء عرفات من منصة موسكو. ويضم الوفد عدداً من العسكريين ممثلي الفصائل العسكرية، وهم: فاتح حسون ممثّلاً عن “حركة تحرير حمص”، وبشار الزعبي وزياد الحريري وراكان ضوكان وخالد النابلسي عن “الجبهة الجنوبية”، ومعتصم شمير من “فيلق الرحمن”، وأحمد عثمان من “لواء السلطان مراد”، وخالد أبا من “الجبهة الشامية”، ومأمون حاج موسى من “صقور الشام”، وهيثم رحمة من “فيلق الشام”. أما الاستشاريين من الفصائل فهم: فهد القاضي، أيمن أبو هاشم، محمد بيرقدار، يحيى العريضي، هشام مروة، سعيد نقرش، عصام الريس، طارق الكردي، فايز الأسمر، رضوان الرفيع.
وعلمت “العربي الجديد” أنه تم تشكيل مكتب إعلامي للوفد المفاوض، مؤلف من عبد المجيد حمو، بسمة قضماني، وأسامة ابو زيد، تحت إشراف رئيس الوفد.
وأكدت مصادر رفيعة المستوى في الهيئة العليا للمفاوضات لـ”العربي الجديد” أن الهيئة رشحت جمال سليمان ليكون في الوفد ممثلاً لـ”منصة القاهرة” التي أكد مصدر فيها أنها لن تقبل أن تكون “مجرد ديكور”، مطالباً بتمثيل وصفه بـ”المتساوي”، وهو ما ترفضه الهيئة العليا للمفاوضات. من جهته، أكد رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان، لـ”العربي الجديد”، أن “هناك مرشحَين من قبل منصتي القاهرة وموسكو، ولكن نظراً لعدم وجود مرجعية محددة لكل منصة، تصدر منهما مواقف متباينة”.
وجاء تشكيل وفد واحد من قبل المعارضة، ليؤكد اجتماع كلمة الفصائل العسكرية مع الهيئة العليا للمفاوضات، ويقطع الطريق نهائياً أمام محاولات روسية، لإغراء هذه الفصائل بتشكيل منصة جديدة تسهم في تشتيت تمثيل المعارضة وتمييعه، ونزع الشرعية عن الهيئة العليا.
وأرادت الهيئة من ضم منصتي موسكو والقاهرة إلى الوفد المفاوض، عدم ترك ذريعة للموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، لدعوة هذه المنصات إلى المفاوضات بصفة “مستشارين” كما حدث في جولة جنيف 3، للإيحاء بأن المعارضة السورية مشتتة، وغير موحدة الرؤى والأهداف.
وأكدت مصادر في الهيئة العليا أن الوفد المفاوض “منسجم وشامل”، مضيفة: “انسحاب فيلق الشام، وصقور الشام، وجيش العزة من اتفاق وقف إطلاق النار لا يعني عدم تأييدهم لأي مخرجات قد تصدر عن مفاوضات جنيف 4″، مشددة على أن المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري متفقة على أنه لا مكان للأسد في حاضر ومستقبل سورية، وأن محاولات دق الاسافين بينهما فشلت، مضيفة: “لدينا محددات لا يمكن لأحد تجاوزها”. وأكدت أن “الجولة الرابعة من جنيف مصيرية، وسوف تثبت المعارضة أن النظام وحلفاءه من يقف عثرة أمام الجهود الأممية من أجل التوصل إلى تسوية شاملة قابلة للحياة”، وفق المصادر.
في غضون، ذلك لم تحسم الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة السورية والموقعة على اتفاق وقف إطلاق النار، أمرها بخصوص تلبية دعوة وزارة الخارجية الكازاخية لاجتماعات في أستانة يومي الأربعاء والخميس المقبلين لمناقشة ترتيبات من شأنها تثبيت الاتفاق. وأشارت مصادر في وفد الفصائل إلى أن هناك خشية من أن تتحول هذه الاجتماعات المتلاحقة إلى وسيلة للتسويف، وشراء الوقت من أجل قضم المزيد من المناطق التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة المسلحة. من جهته، قال النقيب سعيد نقرش (أبو جمال) ممثل لواء “شهداء الإسلام” في وفد الفصائل، إن مسألة المشاركة في اجتماعات أستانة “لم تحسم بعد”، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد”، إلى ان “الروس لم يلتزموا بأي تعهد من تعهداتهم”.
وتتهم المعارضة السورية المسلحة روسيا وهي الطرف الضامن للنظام في اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بـ”التراخي” تجاه خروقات كبرى للاتفاق من قبل قوات النظام والمليشيات، وهو ما أشارت إليه الهيئة العليا للمفاوضات مساء السبت، مطالبة المجتمع الدولي بالعمل على وقف خروقات الهدنة، وبموقف “حاسم” من الضامنين، ومشيرة إلى أن العديد من المناطق “لا تزال تتعرض للقصف الهمجي المتواصل من قبل النظام، وعلى رأسها الغوطة الشرقية والوعر وريف حلب وحمص ودرعا وإدلب واللاذقية وحماة”، إضافة إلى “ما تعرض له وادي بردى والتهجير القسري وكسب الأراضي”.
العربية نت