المركز الصحفي السوري
أحمد الجربان
“أبو رحموا” كان واحداً من الذين قادهم سوء حظهم إلى الوقوف على حواجز الجيش السوري في معرة النعمان بمنتصف عام2011، خرج من بيته عند الصباح الباكر لتوفير لقمة العيش لأطفاله الصغار، وعندما أقترب من مخفر (سجن) المدينة، الذي جعلته قوات النظام احدى سكناتها العسكرية، تم توقيفه من قبل أحد ضباط السكنه، بعد رؤية هويته الشخصية أخرج الضابط مسدسه ووجهه على “أبو رحموا”، صرخ به “أخرج من السيارة ياكلب أميركا ،إنزل يا إرهابي” ، بدأ الضرب، والشتم، وأخرجه من سيارته، رماه على الأرض ثم ضربه على أعضائه التناسلية،
بدأ أبو رحموا التوسل إليه وهو يتألم كثيراً من ضرب الضباط
“يا سيدي والله مو عامل شي كرمال الله تركني”
كان رد الضباط عليه وهو يضحك:
“مين هوي الله ، خليه يجي يفكك من إيدي”
مضت أكثر من ثلاثة ساعات، الضابط يضرب <أبو رحموا> ويشتمه ويكرر كلامه :
“يا كلاب الغرب بدكم تخربوا سوريا ”
تقدمت سيارة لونها زرقاء خرج منها عنصران من الأمن، ثم بدأ الضابط بتسليم أغراضه الشخصية، عندما سلمهم محفظته ،قال: لهم، معه خمسة آلاف ليرة سورية، وقف مسرعً <أبو رحموا> ثم قال :
“سيدي والله معي 15 ألف ليرة، هدول حق غراض لواحد صاحب سوبر ماركت”فسقط غضب الله عليه
الضابط: يعني نحنا حرامية يا حقير
ضربه بعصاية خشبية على قدمه اليسرى فكسرها، قاموا بربط أعينه بقماشه سوداء “من أجل عدم رؤيته”
وربطوا يداه بأسلاك معدنية ثم أخرجوه في السيارة وساروا به، طوال طريقهم كان قدم عنصر الأمن فوق رأس أبو رحموا.
يدخل “أبو رحموا” إ لى مبنى الأمن العسكري، يجرد من ثيابه، يبدأ مسلسل الركل، والسحل، والضرب، والشتم، عبر المداخل والممرات.
نقلوه إلى غرفة صغيرة مظلمة لاضوء بها، ولا مدخل للهواء ،فإذا به يصتدم برجال واقفين ، خاف منهم ولم يدرك عقله من هم! هل هم من رجال الأمن؟ أم هم السجانين؟ تخيل إليه رجال ضخمة وعمالقه، بسبب عدم رؤيته لأي شيئ داخل هذه الغرفة ، هل سيضربوني ؟ هل سيقتلوني؟
بدأ يبصر بعينيه، تفاجئ بوجود ثلاثين معتقلاً داخل غرفة (2*2)، آثار التعذيب والضرب يظهر على أجسادهم، من كثرة الضرب والدماء المتجمدة على كافة أنحام أجسادهم ،مكدسين فوق بعضهم البعض، أغلبهم يقفون على أقدامهم من كثرة الإزدحام،والروائح الفائحة في الغرفة مهما تكلمت عنها لا تستطيع وصفها،قسم من الغرفة مخصص لقضاء الحاجة، وروائح الرطوبة والعفن تؤلم الرأس، والصديق الوحيد الحميم هو القمل طيلة رحلة الإعتقال.
لا طبيب يزورهم ، ولا أحد يراجع صحتهم، فمنهم من كان مصاب بمرض القلب، ومنهم بمرض الربو، كانوا يتوسلون ويترجون السجان من أجل تأمين أدويتهم، لكن لا أحد مجيب يلبي مطالبهم، في اليوم الرابع على سجن <أبو رحموا> عند الساعة الحادية عشر ليلاً، أغمي على معتقلاً مريض، صرخوا للسجان من أجل نقل المريض إلى الطبيب، تقدم السجان غاضباً، حامل بيده كبل كهربائي ، بدأ يضربهم لدقائق، ثم سحب المريض إلى خارج المنفرده، رشه بالمياه ورماه إليهم وصرخ : “الله ياخده وياخدكم ، إن شاء الله بتفطسوا كلكم للجهنم، لا عاد تنادوني أبداً”.
في اليوم الثاني لم يتحمل جسم المريض فقد أدويته، فقد فارق الحياة .
في اليوم التاسع ،يبدأ التحقيق مع <<أبو رحموا>>، يسأل عن مسلحي المعرة ،ومكان تواجدهم، وعندما يقول: لا أعرف.
تبدأ العصي الخشبية والكهربائية تتساقط عليه دون أستسناء أي منطقة من جسده، ثم قاموا بشبحه لساعات طويلة، حتى خيوط القماش التي يربط بها كانت تدخل في اللحم من طيلة التعليق، حتى إن شك المحقق إن أجوبته غير صحيحة، يهدده بتعذيبه على ما يسمى “بساط الريح “،هو عبارة عن (كرسي مرمي على خلفه، يجبرون المعتقل بالجلوس عليه، ثم يقومون بقلبها ، حيث يصبح رأس المعتقل في الأسفل وأقدامه في الأعلى، ويجلسون عنصران من الأمن على بطن المعتقل) بهذه الطريقة هي محاولة لتكسير فقرات العمود الفقري في الجسم، يتكرر التحقيق كل يومين أو ثلاثة، بعد إنتهاء التحقيق، يعيدون المعتقل إلى المنفرده محملاً على بطانيه، لعدم قدرته على السير من كثافة التعذيب، بعدها يرموه في المنفرده حيث يكون جسم المعتقل أحمر وأزرق من الضرب ، والدم ينزف من كافة أنحاء جسده.
مضى على <<أبو رحموا>> أكثر من 70 يوم، وآلامه تزداد يوم بعد يوم، كحال باقي المعتقلين،
يأتي السجان بكل يوم منذ الصباح ، يقدم لكل معتقل نصف رغيف من الخبز ، بالإضافة لقطعة من البطاطا المسلوقه.
قبل إخلاء سبيل <أبو رحموا> بثلاثة أيام، قاموا بتبصيمه (بتمضيته) على عدد من الأوراق دون أن يعلم ماهي، وماذا مكتوب عليها، ثم إلتقطوا له صورة فوتو غرافية،يحمل لائحة ورقية مكتوب عليها أرقام من أربعة خانات.
تم الإفراج عنه وعاد إلى منزله، في اليوم الثاني ذهب إلى مدينة إدلب، من أجل الحصول على ’’كف بحث’’ من عند الأمن العسكري، عند وصوله إلى حاجز المحراب تم إعتقاله للمرة الثانية، مضت عليه أيام وهو في الزلزالة، فذهب أخاه ودفع مبلغ من المال، حتى خرج من السجن، إستعاد سيارته ولكن أغلب أغراضها مسروقة، سحبها من حاجز الأمن العسكري بسبب إنها معطلة على أيديهم.
قصة <<أبو رحموا>> هي من بين آلاف المعتقلين في سجون النظام السوري.
هل ستبقى منظمات حقوق الإنسان متغافلة عن أعمال العنف الذي يمارسه النظام بحق المعتقلين في سجونه؟؟
أليس من حق أهالي المعتقلين أن يعلموا ما هو مصير أبنائهم ؟؟؟