ذا ناشيونال
حتى وأنا أكتب هذا المقال, فإن احتمال تجميد القتال في حلب في تراجع. في حين يتفاوض نظام الأسد مع الأمم المتحدة حول وقف إطلاق نار قصير الأجل, إلا أنه يرسل قواته لمحاولة السيطرة على الأجزاء الشمالية من أكبر مدينة في سوريا.
خطوة إلى الأمام, وخطوتان إلى الخلف. الأمم المتحدة, ومع قلة الخيارات السياسة الصالحة لوضع نهاية للحرب السورية الأهلية الطاحنة, فإنها اختارت أقل انتصار ممكن تحقيقه: وقف فوري للقتل.
الاقتراح الذي يروج له المبعوث الدولي ستافان دي مستورا – والذي بدا الأسبوع الماضي معتقدا أنه سوف ينجح- هو “تجميد” القتال, أولا لبضعة أسابيع, ومن ثم ربما إلى ما هو أطول من ذلك. من خلال إعادة أكبر عدد ممكن من الناس إلى بيوتهم, فإن الولايات المتحدة تعتقد بأنها سوف تحقق بعض التقدم باتجاه إنهاء الصراع.
ولكن ذلك يعتمد على ما تعنيه “نهاية الصراع”.
بالتأكيد, إبعاد السوريين في حلب عن خطر الموت المحقق أمر جيد. ولكن أولئك الذين يعتقدون بأن تجميد القتال في حلب سوف يضع حدا لمعاناة بعض السوريين أو إنهاء الحرب الأهلية لديهم ذاكرة قصيرة. أولئك الذين يعتقدون بذلك نسوا تماما التجربة التي مرت فيها حمص العام الماضي. وأولئك الذين يعتقدون ذلك نسوا تماما 40 عاما من حكم الأسد.
لنبدأ من حمص, حيث تم التوصل في مايو من العام الماضي, إلى وقف لإطلاق النار بين المتمردين والنظام انسحب بموجبة المتمردون من المدينة.
مع عودة قوات النظام للسيطرة, فإن خطر الموت بالتأكيد تضاءل. ولكن عمليات الطحن والعقاب الجماعي بدأت في حمص. والأحداث والروايات لما جرى في حمص بعد أسابيع وأشهر من استعادة النظام للسيطرة عليه تشهد على ذلك.
من أجل عودة السكان إلى بيوتهم, كان عليهم أن يكتبوا تعهدا للنظام – وذلك بعد تحقيق مكثف وبعد إجراءات بيروقراطية كثيرة.
مثال على ذلك. السكان الذين أرادوا العودة إلى منازلهم – إذا كانت منازلهم لا تزال موجودة- كان عليهم أن يثبتوا, من بين أمور أخرى, أنهم دفعوا كافة فواتير الخدمة قبل نزوحهم من منازلهم. بالنظر إلى أن فواتير الكهرباء والماء تدفع متأخرة – في حالة سوريا, في كل ثلاثة أشهر- كان من الصعب على كل أسرة أن تثبت أنها دفعت الفواتير كاملة, وبذلك يكون لدى النظام سببا بيروقراطيا بسيطا لرفض دخولهم, والضغط على المتعاونين منهم.
بدون شك, هذا هو بشار الأسد الذي نعرفه. أسلوب النظام للسيطرة يقوم على بناء مظلة بيروقراطية لتحقيق أهدافه. ومن ثم فإن بإمكانه بسط سيطرته.
كوني عشت في سوريا, فقد رأيت كيف يمكن لهذه المظلة أن تسيطر على سير العمل, في الحياة البيروقراطية اليومية وفي القضايا الأكبر.
ولهذا السبب, ومنذ بداية الانتفاضة, أصر الأسد على أن أي حديث حول الإصلاحات يجب أن يجري داخل سوريا ومن قبل الأطراف التي يوافق عليها – ولهذا فهو يسيطر على كل من الحيز المادي ( ألن تكون الشخصيات المعارضة في المنفى غبية جدا إذا أرادت العودة إلى حضن الأسد؟) وعلى المظلة السياسية (لأنه وبعد أربعة عقود من الإفراغ السياسي للبلاد, لم يعد هناك أي جماعات مستقلة).
تجميد الصراع, بالتالي, سوف يكون مجرد استبدال لمعاناة بأخرى. عوضا عن المخاطرة اليومية بمواجهة الموت من قنابل النظام, فإن سكان حلب سوف يكونون تحت رحمة البيروقراطية الحكومية بصورة تامة, وغير قادرين على العودة إلى الحياة الطبيعية دون الحصول على إذن وسوف يكونون دائما تحت خطر العقوبة الجماعية والاعتقال التعسفي. آلاف المعتقلين في حمص مضربون الآن عن الطعام للاحتجاج على احتجازهم دون محاكمة. بعيدا عن أعين العالم, سوف يستمر النظام في فرض عقوباته.
من المحبط أن الصراع وصل إلى هذه المرحلة. ولكن الأمر مفهوم تماما: ليس هناك أي قوة وراء ما يطرحه مبعوث الأمم المتحدة. إنه يتحدث إلى النظام الأسد في حين لا يحمل أي عصي ولا يقدم الجزر. من ناحية أخرى, كل من روسيا وإيران يقدمان للنظام دعما عسكريا وماديا حقيقيا.
مقترح الأمم المتحدة يهدف إلى أن يكون بداية لعملية يمكن أن تمتد إلى جميع أنحاء سوريا. بطريقة ما, يسعى نظام الأسد ليكون المحتكر الوحيد لأساليب العنف, ولكي يكون المجموعة الوحيدة القادرة على السيطرة على السكان بالقوة.
إنه قريب جدا من تحقيق ذلك في أكبر مدينة سورية. وسوف يفرض بعد ذلك سيطرته على جميع أنحاء البلاد, وسوف تكون النتائج متوقعة تماما.
ترجمة : مركز الشرق العربي