جنوب أفريقيا بلدّ يقع في أقصى جنوب القارة الأفريقية، ولكن هناك ميزةٌ ينفرد بها هذا البلد عن غيره من بلدان العالم وهي أنه آخر بلدٍ تحرّر من نظام الفصل العنصري في العالم، والذي استمر حتى تسعينات القرن الماضي، أي قبل أقل من ثلاثين عاماً فقط.
ترى كيف انتقلت تلك الدولة من الحرب والتمييز العنصري الى التطور والنمو !!؟
شاهد… قصة أملاك ليلى التي عرفت بموت زوجها المعتقل من خلال صورة
جذور المشكلة تعود لفترة الاستعمار الذي استجلب البيض كمستعمرين قرروا البقاء في البلاد وعدم العودة لأوربا بعد الاستقلال، وكانت نسبتهم لا تتعدى 8 % من عدد السكان البالغ 57 مليون، حسب إحصاء عام 2011 أما السود فنسبتهم تتجاوز 80 % من السكان وبقية النسبة تذهب للملونين والأسيويين.
ولكن أين المشكلة !!!
المشكلة بدأت عندما سيطر البيض على كل مقدّرات البلاد رغم أنهم أقلية فهم يسيطرون على أعلى المناصب في الدولة، الجيش والأمن والصحة والتعليم بينما يحرمون الأكثريه منها.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي عام 1948 تمّ وضع قانون الفصل العنصري من قبل الحزب القومي المؤلف من البيض من أصولٍ هولندية، ومن بينها عزل السود في مناطق خاصةٍ ومنعهم من التعليم والصحة بل وتسخيرهم للعمل في المناجم فقط.
مما أدى لازدياد الأوضاع سوءاً من فقرٍ وجهل السود وازدياد غنى وثراء وتعليم البيض.
إلى أن تشكّلت حالةٌ من الغليان داخل صفوف السود الذين ضاقوا ذرعاً بهذا الحال المزري، فقد كانوا أشبه بالعبيد في بلادهم فبدأت المظاهرات والإضرابات التي عمّت أرجاء البلاد، وكان رد السلطات هو القمع والقتل والمجازر، ففي مجزرةٍ واحدةٍ فقط قُتل حوالي 100 شخصٍ في عام 1960 بسبب اعتصامٍ سلميّ للمطالبة بحقوقهم .
بعد تلك الأحداث انتقل الشعب في جنوب أفريقيا الى أول خطوات النضال السياسي وهي تأسيس حركة ” رمح الشعب ” التي أخذت على عاتقها مقاومة نظام الفصل العنصري وتزعمها “نيلسن مانديلا ” الذي أصبح أيقونةً لأبناء شعبه في النضال السلمي عبر العالم، وبعد فترة سجنٍ دامت أكثر من 20 عام ونضالٍ دامٍ للسود انتزع أصحاب الحق بلدهم من اللصوص وحصلوا على حقوقهم، بعد أن تم إلغاء نظام الفصل العنصري وأُخرج مانديلا من السجن ليصبح الرئيس الأسود الأول لجنوب أفريقيا.
لكن السود لم يتبعوا سياسة القمع والتغيب والانتقام من البيض، بل اتجهوا للتصالح وتأسيس عقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ يعطي كلّ ذي حقٍ حقه من خلال القوانين والأنظمة الجديدة وتعزيز الديمقراطية والتعايش المشترك بين كل المكونات.
اليوم جنوب أفريقيا دولةٌ متطورةٌ ومستوى دخل الفرد فيها الأعلى أفريقيّاً، فقد وصل إلى 10 آلاف دولارٍ سنوياً، وبناتجٍ محليٍّ يصل إلى 767 مليار دولارٍ، وقد أصبحت دولةً ذات حضورٍ عالميٍّ بعد رفع كل أشكال العقوبات عنها، بسبب نظام التمييز العنصري، حتى أن حضورها تجلّى باستضافتها لنهائيات كأس العالم كأول دولةٍ أفريقيةٍ في التاريخ تستضيف هذا الحدث العالمي الأهم .
المركز الصحفي السوري
بقلم ضياء عسود
عين على الواقع