نشرت المجلة اليهودية الأمريكية على الإنترنت “تابلت” مقالا مطولا حول “مملكة الصين البارزة في الشرق الأوسط” وحذر فيه الكاتبان مايكل دوران وبيتر راف، من محاولة الصين التسيد في الشرق الاوسط وآثار هذا على الولايات المتحدة.
وناقشا في البداية المفاهيم الأمريكية القديمة بشأن أهداف أمريكا والصين في الشرق الأوسط باعتبارها تكمل بعضها البعض. وتركز موقف الأمريكيين على أن اهتمام الصين بالمنطقة يظل تجاريا بتركيز خاص على النفط والغاز الطبيعي. وقال مسؤول أمريكي سابق إن “استراتيجية الصين في الشرق الأوسط تدفعها المصالح الاقتصادية”. وفي شهادة لمسؤول بارز من إدارة باراك أوباما أمام الكونغرس العام الماضي قال فيها: “لا يبدو أن الصين مهتمة بتعميق علاقاتها الدبلوماسية والأمنية هناك”.
وبحسب المفهوم السائد فقد تبنت الصين موقف المحايد من النزاعات السياسية والعسكرية، لأن دعم طرف قد يعرض مصالحها التجارية ويقيّد دخولها للأسواق. ويعلق الكاتبان أن هذا الرأي يتجاهل حقيقة المنافسة القوية التي تخوضها الصين مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ففي عام 2016 زار الرئيس شي جينبنغ الشرق الاوسط بصفته رئيس الجمهورية الشعبية الصينية، وزار مصر والسعودية وإيران. وصور الإعلام الصيني الزيارة باعتبارها معلما مهما. ونشرت وزارة الخارجية الصينية ورقة بيضاء حول السياسة من العالم العربي، وهي الأولى من نوعها. وجاء فيها: “سنعمق التعاون والتبادل العسكري الصيني- العربي” و”سنعمق التعاون في مجال التسلح والمعدات ومجالات التخصص التكنولوجي والمشاركة في مناورات عسكرية”.
وفي عام 2017 افتتحت الصين أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي وهي الأولى نوعها، فيما ينظر إليه تخلٍ تكتيكي عن سياسة عدم التدخل التقليدية. وموقع القاعدة مهم؛ لأن جيبوتي تقع على مدخل باب المندب الذي يربط قناة السويس بخليج عدن.
ويعلق الكاتبان أن الصين تتقدم في الشرق الأوسط وبإصرار مستميت، لأن المنطقة مهمة للمصالح الصينية أكثر من اي منطقة أخرى باستثناء منطقة غرب المحيط الهادئ. ويؤكد الكاتبان أن الصين تعمل بدأب لكي تخرج أمريكا من الشرق الأوسط، وهو واقع يفضل المخططون الإستراتيجيون الأمريكيون تجاهله.
وفي هذا السياق، يشير الكاتبان إلى مسلمي الإيغور في إقليم تشنجيانغ الذين يعيش فيه 11 مليون نسمة في ظل أكبر رقابة ومليون شخص في معسكرات الاعتقال ويتعرضون لغسل الدماغ والتعقيم والتعذيب.
ما هو دافع الصين لتعذيب وترويع أقلية صغيرة؟ يجيب الخبراء أن السياسة الصينية تجاههم نابعة من مخاوف الانفصال والإرهاب. ولكن الحقيقة غير ذلك، فالمنطقة التي يعيش فيها المسلمون تقع على طريق مبادرة الحزام والطريق بميزانية تريليون دولار وتهدف لإقامة بنى تحتية حول العالم لنقل المصادر إلى الصين الجائعة وخلق مجال تأثير للصين. ومن أهم البرامج هو الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني من المحيط الهندي إلى كاشغر في إقليم تشنجيانغ.
سحق الإيغور
وتقوم الصين بسحق الإيغور لأن أراضيهم قد تعرقل خطوط الإمدادات البرية. وتساءل الباحثان عن تصميم الصين على التقدم باتجاه الشرق الأوسط؟ ويجيبان أنها مصممة لدرجة الانتحار.
ويعتقد الكاتبان أن فرضية التكامل بين المصالح الأمريكية والصينية في الشرق الأوسط هي بقايا اعتقاد بالٍ أطلق عليه “التقارب المتناغم”، فمن عهد ريتشارد نيكسون حتى باراك أوباما، اعتقد القادة الأمريكيون أن العولمة قد تحول الصين وتجعلها قوة لطيفة وشيوعية أكثر نعومة.
وتفترض هذه النظرة أن الحزب الشيوعي الصيني سيضطر للانفتاح من أجل توفير احتياجات سكانه الذين يزداد عددهم، وستضطر الصين بالضرورة للقبول ببعض مبادئ العولمة والرأسمالية. ويظل مبدأ التقارب المتناغم نظرية مادية للتاريخ وموازيا رأسماليا للماركسية. وتقوم النظرية على أن الاقتصاد هو المحرك للشؤون الإنسانية.
ويرى الكاتبان أن الفكرة أعمت أنظار القادة الأمريكيين عن العوامل الأخرى الثقافية والسياسية والسكانية، فمن الناحية الثقافية تعتبر نفسها بلدا كبيرا وحضارة كبيرة مركزية للحياة الإنسانية. ومن الناحية السياسية، أثبت الحزب الشيوعي الصيني قدرة على التكيف وحكم ملايين الناس. وهذا راجع لتطور التكنولوجيات الحديثة بحيث أصبح الحزب قادرا على مراقبة 1.4 مليار نسمة.
وربما كان اضطهاد الحزب الشيوعي للشعب الصيني مثيرا للقلق لو كانت الصين لاعبا متوسطا. ففي عام 2010 غادر وزير الخارجية يانغ جيتتشي مؤتمرا دوليا بعدما انتقدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الصين لنشاطاتها في بحر الصين الجنوبي. وقال: “الصين هي بلد كبير وبقية الدول صغيرة وهذه حقيقة”. وتشعر بكين بالحنق عندما تقوم الولايات المتحدة بدعم دول “صغيرة” للحفاظ على نظام دولي لا تلعب فيه الصين دورا مركزيا وتراه خنجرا موجها للحزب الشيوعي الصيني.
وحاول بعض المحللين تحديد مصدر عدوانية الصين للغرب من خلال “الشيوعية” مع أن أحدا فيها لم يعد يؤمن بمبادئ الاقتصاد الماركسي. ولكن الحزب لا يزال يعتمد على نظام الحزب الواحد، ويستخدم ادواته التقليدية في القمع والتخريب والحرب الأيديولوجية. وعلى مستوى السياسة الخارجية لا يزال الحزب الشيوعي مكرسا للثورة العالمية. ولكن العالم الجديد الذي يتصوره ليس “جنة ماركسية” بل عالم واحد، تحل فيه الصين مع الولايات المتحدة كقوة سائدة.
العلم والتجارة
ولتحقيق هذا يتعامل قادة الصين مع التجارة والبحث العلمي كفرع تابع لجهاز الأمن القومي. فمبادرة “صنع في الصين 2025 ” والتي أطلقت عام 2015 تطمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الإمدادات الأجنبية وتحويل الصين إلى محرك يدفع الاقتصاد العالمي لعقود مقبلة. وترتبط فكرة الحلول مكان أمريكا كمحرك للإبداع التكنولوجي بمسار ثان يتحرك نحوه الحزب الشيوعي وهو التحديث العسكري. فقد قفز الإنفاق العسكري الصيني في الفترة ما بين 2000-2019 من 43 مليار دولا إلى 266 مليار دولار، وهو مبلغ يتجاوز ميزانيات روسيا وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا معا. وفي الوقت الذي تحاول فيه الصين إظهار التفوق العسكري في منطقة غرب المحيط الهادئ، إلا أن الهدف الأوسع هو تعزيز القدرة الدفاعية الصينية لكي تظهر قوتها في كل زوايا العالم الأربع. أما المسار الثالث فهو سياسي ويهدف لجعل العالم متسامحا مع فكرة الحزب الواحد، وهو ما بدا من قانون هونغ كونغ في شهر حزيران/يونيو. في وقت يقوم فيه الحزب الشيوعي بدعم واجهات من الصينيين في الشتات من أجل دعم أهداف الصين.
تهديد وفرص
وفي هذا السياق يمثل الشرق الأوسط تهديدا استثنائيا للصين وفرصاً. وينبع التهديد من أن نصف وارادت الصين من النفط نابعة من الشرق الأوسط أو تمر عبر قناة السويس، كما أن معظم البضائع التي تنتهي في شنغهاي أو غوانزهو تمر عبر نقاط الاختناق في الشرق الأوسط حيث تكون عرضة للتدخل الأمريكي. ومن ناحية الفرص، فالشرق الأوسط ليست مصدرا للطاقة، ولكن تكنولوجيا الأمن التي تعتبر إسرائيل فيها متقدمة. ويظل الشرق الأوسط “واحة العالم” بتعبير هالفورد ماكيندر -الأب الحقيقي للجيواستراتيجية الحديثة- الذي أشار إلى بقعة جغرافية تمتد على أوروبا وآسيا وأفريقيا أي الشرق الأوسط. واليوم تتحكم الولايات المتحدة بخطوط التجارة والحركة، وفي حالة تراجعها فالميزان سيميل لصالح الصين. وبالنسبة لهذه، فالتنافس العسكري مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مرتبط بشكل مباشر مع التنافس العسكري في غرب المحيط الهادئ.
ويرى الكاتبان أن الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني يعطي بكين فرصة للدخول إلى المحيط الهندي. ويعلقان أن فكرة “اقتصاد” تخفف من مخاوف الأمريكيين مع أن التعاون بين الصين وباكستان هو عسكري الطابع. فالممر يصل إلى ميناء غوادار الذي سيقصّر خطوط الإمدادات للصين وسيصبح مركزا لنقل الغاز والنفط عبر أنابيب تمر من إقليم تشنجيانغ ومنه إلى نقاط أخرى في شرق الصين. فمن ناحية تبعد الصين عن الخليج الفارسي مسافة 5.000 ميل بحري تصبح ممنوعة عليها اثناء الحرب، مقارنة مع 600 ميل بحري تفصل ما بين غوادار والخليج الفارسي. والمنافع الإستراتيجية لهذا الميناء سترتبط بعدد من “اللآلئ البحرية” التي تمتد من هونغ إلى جيبوتي وبورتسودان. والصين لا تهدف للدفاع عن خطوط إمداداتها وقت الحرب، ولكن تهديد خطوط إمدادات أعدائها أيضا، وهي نقطة لم تغب عن بال الساسة في نيودلهي وطوكيو وتايبيه وكانبيرا.
جيبوتي
وتعتبر جيبوتي استراتيجية من ناحية قربها من مضيق باب المندب وغوادار لقربه من خليج عمان الذي لا يبعد سوى مسافة قصيرة عن مضيق هرمز. ولو استطاعت الصين التدخل في ناقلات عبر هذين المضيقين فستكون قادرة على التحكم بالقصبة الهوائية للعالم. وهذا هو ما يفكر فيه المخططون العسكريون الصينيون، ففي عام 2016 نشرت الكلية البحرية الأمريكية دراسة حذرت فيها من خطط الصين لزيادة بوارجها البحرية وغواصاتها إلى 530 من 400. ولن تكون أمريكا قادرة على اللحاق بالصين. و
قد يحلو للبعض القول أن البوارج الأمريكية أقوى وأكبر وأحدث، وطواقمها لديها خبرة أحسن من الصينيين. لكن بكين لا تخطط لتحدي سيادة أمريكا البحرية بل وقصقصة القوة الأمريكية ببطء وبطريقة منهجية بهدف اقناع حلفاء أمريكا أن القوة تنحرف من واشنطن ولا داعي للتعويل عليها. ومن هنا فاستراتيجية الصين الشرق أوسطية واضحة، فهي لا تريد مواجهة عسكرية، بل تشن حربا سياسية، أو بتعبيرات الحرب الباردة “فنلندت” (فنلندا) حلفاء أمريكا. وتقتضي هذه استراتيجية تظهر أمريكا كحليف لا يوثق به. ورسالة الصين إلى اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية (بدون ذكر السعودية وإسرائيل) هي أن أمريكا في تراجع والصين في صعود ووصولها إلى المجد بات محتوما.
التعلم من روسيا
ويشير الكاتبان إلى العلاقة الصينية- الروسية التي أشار تقييم المخاطر العالمية الأمريكي لعام 2019 بأن موسكو وبكين هما أكبر تهديدين لأمريكا. فقد علّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصين دروسا حول كيفية محو القوة الأمريكية. ففي سوريا غيّر بوتين ميزان الحرب الأهلية بكلفة قليلة وأصبح اللاعب الرئيسي في الشرق الأوسط والمحاور مع إسرائيل وتركيا. وكانت مشاركة الصين في سوريا أبعد من مشاهدة بوتين وهو يستقبل رجب طيب أردوغان أو بنيامين نتنياهو، فقد كانت البوارج الحربية الصينية جزءا من عمليات الانتشار الروسي في البحر المتوسط، كما أن عبوات الغاز التي رمتها قوات بشار الأسد على المدنيين مصنعة في الصين.
وخلال العقد الماضي أصبح عدد من حلفاء أمريكا زبائن للسلاح الصيني. في عام 2017 وقعت شركة الطيران الصينية للعلوم والتكنولوجيا شراكة مع الرياض لإنشاء مصنع الطائرات المسيرة في السعودية. ووقعت الشركة عقدا مماثلا مع باكستان وميانمار. وتستفيد الصين من مهام حفظ السلام لمجلس الأمن حيث تراكم الخبرة وتجمع المعلومات، مع أنها لا تسهم في ميزانيات القوات بنفس ما تقدمه أمريكا. ويرى الكاتبان أن بناء القاعدة في جيبوتي يقدم صورة عن الطموح العسكري الصيني الذي بدأ بمشاركة بوارجها في محاربة القرصنة بالقرن الأفريقي. وهذه أول مرة تنشر فيها الصين بوارج خارج مياهها الإقليمية.
وفي ذلك الوقت قالت البنتاغون أن دخول الصين المحيط الهندي هو محاولة للتنافس مع أمريكا، فيما قال دعاة التقارب المتناغم إن الصين تريد أن تكون شريكا مسؤولا. ومن هنا فالتعاون بين موسكو وبيجين في الشرق الأوسط هو جزء من القصة الأكبر. وهي قصة التقارب بين البلدين. وقال شي جينبنغ في العام الماضي عند وصوله إلى موسكو لمقابلة بوتين: “خلال السنوات الست الماضية تقابلنا 30 مرة” وأضاف: “روسيا هي البلد الذي زرته أكثر وبوتين هو أعز اصدقائي وزملائي”.
وهذه كلمات ليست للمجاملة فالعلاقات بين البلدين وصلت إلى مستويات لم تر منذ الخمسينات من القرن الماضي. وتبدو الثنائية الروسية- الصينية في الشرق الأوسط تخدم مصلحة البلدين، فروسيا تتدخل وتحصل على النقد فيما تستفيد الصين من نشاطات روسيا المزعزعة للإستقرار. ويظهر هذا واضحا من سلوك بكين في مجلس الأمن، فعلى مدى عقدين من الزمن حول الدبلوماسيون أي قرار يتعلق بالشرق الأوسط لزملائهم الروس.
وعندما يسألهم الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون عن موقفهم من موضوع يشير الدبلوماسيون الصينيون عليهم بالحديث مع الروس. وخدم هذا الموقف الصين كدولة تمارس الحياد ودعم الموقف الروسي في الوقت نفسه. وهو ما يخدم الحيلة التي انطوت على الأمريكيين أن كل ما يهم الصين في الشرق الأوسط هو التجارة. ويعتمد دور روسيا على لعب دور مقدم الذريعة للصين في الشرق الأوسط على تحالفها العسكري مع سوريا وإيران، لكنها لا تستطيع دعم الجهود الإيرانية، ومن هنا يأتي دور التعاون التجاري الصيني مع طهران.
ويتركز التعاون على قطاع الطاقة والصناعات غير النفطية، حيث أصبحت الصين مهمة لطهران بعد زيادة العقوبات الأمريكية. ويشير الكاتبان إلى أن التعاون التجاري لم يمنع الصين عن المشاركة في مناورات عسكرية مع إيران وروسيا، فلو كانت مهتمة بالتجارة فقط لما شاركت في مناورات عسكرية وشجعت أصدقاءها في الشرق الأوسط على تسوية خلافاتهم. وبدلا من ذلك قدمت الصين نفسها كشريك للروس والإيرانيين أو “حلف المقاومة” والذي يضم نظام الأسد وحزب الله وحماس. وتقدم إيران الذريعة للصين، فما تفعله مع روسيا يخدم المصالح الصينية على المدى البعيد، فهو يجهد أمريكا حيث انتخب آخر رئيسين أمريكيين على بطاقة تخفيف الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط. كما ويدمر المحور الروسي- الإيراني مكانة أمريكا، ففشل واشنطن لمواجهة ميليشيات إيران في العراق أو التفوق في سوريا منحا آلة الدعاية الروسية والإيرانية والصينية سببا للحديث عن نهاية العصر الأمريكي في الشرق الأوسط. كما يعطي الفشل الأمريكي، الصين الفرصة لبذر الفرقة بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين خاصة في الملف النووي وسوريا وتركيا.
وأخيرا يجبر التراجع الأمريكي حلفاءها في السعودية وإسرائيل على التحوط وإقامة علاقات قوية مع الصين. وأصبحت هذه شريكا تجاريا للسعودية في مجال الطاقة، فيما تتلقى إسرائيل رأسمال صيني وحصلت على عطاء لتطوير ميناء حيفا. وفي عالم مثالي ترغب السعودية وإسرائيل بإدارة علاقتهما مع إيران ليس عبر الصين ولكن عبر تحالف قوي مع أمريكا.
أهداف مظلمة
ويشير الكاتبان إلى أن “حيادية” الصين المتمثلة بالتركيز على الحاجة للطاقة وعدم إرباك خطوط امدادتها تخفي وراءها الأهداف المظلمة لها. وتعتبر الصين من أكبر مستوردي النفط في العالم، وهي تحتاج إلى 10.1 مليون برميل في اليوم حسب عام 2019. ومن أجل منع إرباك إمدادات النفط، فقد نوعت مصادر التزويد بالإضافة إلى الشرق الأوسط فهي تستورد من البرازيل وأنغولا وروسيا وبريطانيا. والاستيراد من الأخيرة مثال، فقد زادت نسبة صادرات النفط البريطانية بنسبة 44% ومعها زادت استثمارات الصين في الاقتصاد البريطاني.
وجاء هذا في وقت عبرت فيه إدارة دونالد ترامب عن غضبها من عقد الحكومة البريطانية مع شركة هواوي. وكان السفير الصيني واضحا عندما حذّر بوريس جونسون عندما ألغى العقد بأن الشركات الصينية تراقب. وأصبح التهديد بخسارة الاستثمارات الخاصة اسلوبا للصين مع حلفاء أمريكا، بريطانيا وكندا وأستراليا. وصارت الصين تستخدم تأثيرها الاقتصادي لإضعاف أمريكا في الشرق الأوسط. فهي أكبر مستثمر خارجي في المنطقة وشمال أفريقيا حيث ضخت أكثر من 124 مليار دولار.
وفي الوقت الذي تراجعت فيه استثمارات الصين العالمية 100 مليار دولار عام 2018، إلا أنها زادت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في نفس العام بـ28 مليار دولار، ربعها ذهب لحلفاء أمريكا، مصر والإمارات العربية المتحدة والسعودية. وزادت استثمارات الصين في دول الخليج من 10 مليارات دولار عام 2000 إلى 163 مليار دولار. وتعتبر الصين أكبر شريك لعُمان والكويت والإمارات العربية المتحدة والسعودية وهي من أكبر الشركاء مع إسرائيل. ولكن الصين أعطت الشرق الأوسط أهمية خاصة. فقد زادت التجارة مع العراق في الفترة ما بين 2008 إلى 2018 بنسبة 1.000% من 2.6 مليار دولار إلى 30 مليار دولار.
وأصبح العراق ثالث مزود للنفط بعد السعودية وروسيا. وكانت الصين المستفيد الأكبر من عقود النفط بعد غزو جورج دبليو بوش العراق عام 2003. وفي الوقت الذي تحول فيه العراق لبلد العجائب للصين بات عدوانيا مع أمريكا. ويؤكد الكاتبان أن توسع الصين في قاعدتها بجيبوتي وبناء أخرى في بورتسودان يعني تقوية الحوثيين باليمن ومساعدة إيران على تحويلهم على نسخة من حزب الله في لبنان. ومن هنا ستجد دول الخليج نفسها محاصرة بنيران الصين وإيران. كما أن هيمنتها على خطوط النفط القادمة من الشرق الأوسط ستثير الفزع بين حلفاء أمريكا في شرق آسيا والهند.
لكل هذا، فالتراجع الأمريكي من الشرق الأوسط سيكون أكبر خطأ في التاريخ الأمريكي. لكن واشنطن بحاجة لموازنة حضورها في الشرق الأوسط بمطالب الناخب الأمريكي المتعب من المنطقة وحروبها. والجواب هو البحث عن حلفاء محليين يقومون بعمل أمريكا. وعلى الأخيرة أن تربك ما بين الشرق الاوسط والمحيط الهادئ. وعلى شركاء الصين المحتملين في لعبة التأثير، باكستان وجيبوتي والعراق وإيران إدراك أن لعبة التقارب المتناغم قد ولت أيامها. فدعم القوة الصلبة للصين سيكون له ثمنه.
نقلا عن القدس العربي